TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
علماؤنا والتأجيج الطائفي
09/04/2015 - 10:30am

طلبة نيوز-ا.د.محمد عيسى الشريفين

 

        عندما تتحدث عن التأجيج الطائفي تتهم باتهامات كثيرة، أقلها: انك تنتمي للطائفة التي تدعو لعدم التأجيج ضدها، فإذا كنت سنيا ووقفت ضد التأجيج الطائفي اتهمت بالتشيع، وإذا كنت شيعيا ووقفت ضد التأجيج الطائفي اتهمت بأنك سني، هذا اقل ما يمكن أن تتهم به، وهناك تهم معلبة أخرى: كالتكفير، والتفسيق، والتضليل، والزندقة، وهذه هي باقة ورود كثير من علماء هذه الأيام ينثرونها في وجوه مخالفيهم.

        أقول: إن من الخطأ الفادح أن نتعجل في الحكم على الآخرين خاصة إذا خالفوا ما ألفناه، فلا بد أن نفهم مراد المخالف فنلتمس له الأعذار، ثم تكون مرحلة الحكم، ونحن عندئذ قد نصيب وقد لا نصيب.

        إن الاختلاف أمر بدهي  وسنة كونية وإرادة الهية، قال تعالى: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) فالله تعالى بحكمته الباهرة خلقنا مختلفين، وكان ذلك لكي نتلاقى فنتعارف ونتصاهر ونتعاون، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، ولا يقتصر الاختلاف على الشكل والصورة، بل يتعدى ذلك إلى المذهب والطائفة والدين والثقافة وغيرها، وهذا لا يعني بحال أن جميع المذاهب والطوائف والأديان صحيحة، وإنما الحديث عن طريقة التغيير لمن يعتقد أنه على الحق.

        إذا ما تحدثنا عن ديننا الحنيف فإن عنوان التغيير فيه يتلخص في قوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، وأصحاب الدعوات وعلى رأسهم رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عن ذلك يصدرون.

إن  القلب ليتفطر عندما يتحول الحوار الفكري الى صراع دموي، وتتحول الدعوة للحق والدفاع عنه وعن أهله: ذبحا وقتلا وتأجيجا.

         يروى عن الإمام مالك أنه قال:"اذا رأيت الرجل يدافع عن الحق فيسب ويشتم فاعلم انه معلول النية؛ اذ الحق لا يحتاج الى ذلك"، هذا في حق من يتكلم فكيف والحال كذلك في حق من يقتل ويذبح ويحرق باسم الدين؟ كيف للعالم ان يؤيد ذلك؟

 

اذا ما رجعنا لعهد النبوة فإن تقسيم سني شيعي لم يكن موجودا؛ وإذن لا يستند اي من مسمى السنة والشيعة الى ادلة نظرية، ثم انقضى عهد النبوة وعهد الخلفاء الأربعة ولم يكن لأي من المسميات اي رصيد معرفي، ثم بدأت هذه الأسماء بالظهور، وبدأ كل فريق يحشد لنفسه، وأنا هنا لست في معرض الحديث عمن ضل او عمن هو على الهدى، وإنما موضوع حديثي في الإجابة عن التساؤلات الآتية: هل يجوز أن يتحول الخلاف الفكري الى خلاف مسلح؟ اين العلماء وما دورهم؟ هل يمكن للمسلم ان يقتل أخاه تحت مسمى نصرة الإسلام أين تقف السياسة من هذا الصراع؟ هل هي موجهة ام منفذة؟ هل يجوز للعلماء ان يتحولوا الى أدوات للساسة؟ 

اين العلماء وما دورهم؟

لقد تحولت كثرة كاثرة من العلماء والمشايخ وأئمة المساجد الى مسعري حرب، وأصبحوا يتحركون وفق قاعدة ما يطلبه المستمعون، وبدل ان يتبعوا قاعدة: "لتبيننه للناس" اتبعوا قاعدة السائد والمشهور، وهذا هو السلوك الأسهل للكسب والتكسب بدين الله تعالى، وأصبح الواحد منهم رهين الساسة وحبيس النفوذ، فأعماه ذلك عن دوره الأساس وهو: الإصلاح والصلح بين الناس والدعوة للتعايش، وقد يقول لي قائل:كيف تدعو للتعايش والآخر يدعو للحرب؟ فأقول هنا: انه ليست مهمة العالم التجييش بل هي مهمة السياسي .

ذلكم أن العلماء في يستندون في سلوكهم الى رصيد معرفي من القرآن والسنة، هذا الرصيد المعرفي  هو الدين الذي يدينون به لرب العالمين، ومن اهم مزايا هؤلاء الرسوخ والنظرة الشمولية لهذا الدين، فلا يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، بل يؤمنوا بالكتاب كله، ويضمون الى ذلك صحيح سنة النبي صلى الله عليه وسلم عمليها ونظريها، وعن جميع ذلك يصدرون، وعليه فإن عنوان"نسلم ويسلمون" شعارهم عند الاختلاف.

لقد تحولت المنطقة الى برميل متفجرات، واستبدل العرب ببلاد العرب اوطاني بلاد الحرب اوطاني، وانه لمن المروع جداً ان يتم القتل باسم الله تعالى، وباسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وباسم نصرة الاسلام 

لقد تحول الدين بسبب طائفة من العلماء الى لعنة بعد ان كان رحمة، الى اداة للتفريق بدل ان يكون اداة للتجميع.

لقد كان الدين الحنيف وما زال مصدرا لكل فضيلة، مصدرا لكل رحمة ولم يكن في يوم من الأيام مصدر بؤس وقلق وقتل وتفريق وتمزيق.

أسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا وأن يهدنا الصراط المستقيم، وأن يمتع أهلنا وبلادنا بالأمن والأمان والسلامة والإسلام، وأن يحفظ بلدنا الأردن آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين.

التعليقات

الأمينة (.) الخميس, 04/09/2015 - 12:29

صح لسانك دكتور والله أبدعت
نظرة بديعة

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)