طلبه نيوز

د. علي المستريحي

يحزنني جدا الدعوة لحل نقابة المعلمين خاصة إن صدرت من الصفوة المتعلمة من المجتمع .. في المرة السابقة للاضراب كان هناك بعض الذين شكّكوا بوطنية المعلم ورجموا انتمائه بالحجارة .. هؤلاء زايدوا على المعلمين الذين أضربوا بادّعائهم أنهم (أي المضربين) مدسوسون وأنهم يعملون لغير صالح الوطن .. والمفارقة أنه عندما انصاعت الحكومة لمطالب المضربين وأقرّت علاوتهم، تهافت المزايدون ومدعو الوطنية يسبقون غيرهم للسؤال عن مقدار الزيادة التي طرأت على رواتبهم !!

سُئل رئيس وزراء اليابان عن سر تقدم دولتهم، قال: "ببساطة أعطينا المعلم راتب الوزير!" .. وفي ألمانيا عندما احتج البعض على امتيازات المعلمين مطالبين بمساواتهم بهم، وجهت رئيسة وزرائهم لوما قاسيا لهم ودعتهم لاظهار الاحترام لمن صنعهم ..

هناك أمر يختلط بأذهان الناس (حتى الصفوة المتعلمة منهم!): فهم يحملون انطباعات سلبية عن معظم معلمي الجيل الجديد من الطارئين على المهنة وليسوا مؤمنين برسالتها على أنهم لا يستحقون أي تقدير .. وانا أتفق بالمجمل مع هذه النظرة ..! ولكن مهلا .. هذه المهنة المقدسة لا ذنب لها بذلك .. والمسئول أولا وآخرا السياسات الحكومية الجدباء (الممنهجة وبقصد) .. نفس السياسة التي رفعت من قيمة الجندي الأردني (وهي سياسة أحترمها) كان بإمكانها أن تساهم بنفس الطريقة باعلاء شأن المعلم والوقوف بوجه من يحاول الحطّ من قيمته .. ذلك لأن رفع قيمة المعلم تعني ببساطة هلاك الطبقة الفاسدة من المجتمع وتهديد وجودها، وبالتالي خلق جيل من أصحاب القيم والمبادئ .. (لاحظوا هذا الربط البسيط العميق) الذي يفسر السياسة القصدية الكيدية لسحق المعلم واضعاف دوره ..

ببساطة الوضع المادي السيء للمعلم والحط من أهميته وقدره نتج عنه جعل هذه المهنة طاردة للكفاءات .. لذا، قَبِل بهذه المهنة من لم يجد مكانا آخر يأويه أو يقبل به من أصحاب الكفاءة المتواضعة ! والخلاصة هنا، بتحسين ظروف المعلم المادية والمعنوية سيجعل من هذه المهنة جاذبة للكفاءات، والكل سيتمنى العمل بها، ويزيد العرض عليها من المتزاحمين للدخول اليها .. حينها تتوفر فرصة أكبر للاختيار من بين هذا العدد الهائل من المتقدمين .. والنتيجة حتما كفاءة أفضل .. مع أنني أعترف أن الأمر يحتاج لبضع سنوات لتنظيف هذه المهنة من شوائبها ..

أما الادّعاء بالفقر المالي للدولة، نرى أن ذلك هراءً .. لو توفرت للحكومة الارادة والقناعة باهمية المعلم وشرعية مطالبه لاستطاعت برفة عين توفير مطالب المعلمين .. لو أعادت الدولة نصف أموال الفوسفات المنهوبة لكفت المعلمين حاجة السؤال وكفتنا جميعا شر القتال .. وإلّا كيف نفسّر اصرار طوقان وزبانيته (عرّاب خراب التعليم الأردني "ما غيره") على مشروع النووي أبو العشر مليارات رغم المعارضة العنيفة للمشروع من أصحاب الفكر والرأي الصادقين الخائفين على وطنهم من مزيد من الضياع من ذات الشلة التي أضاعت التعليم ؟!

أدعو كل من يحمل حجرا ليضرب فيه معلما أن يلبس حذاء المعلم ويدخل فيه حصة واحدة ..