TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
المِعْيار
01/07/2015 - 4:30am

طلبة نيوز-أ.د سلامه طناش

أستاذ التعليم العالي/ الجامعة الأردنية

يعرّف المعيار ( لمن لا يعرف ) بأنه مبدأ يتم الاتفاق عليه من قبل جماعة من الخبراء أو المختصين أو المتخصصين في ممارسة عمل ما أو مهنة ما بصورة تحقق عند تطبيقه النوعية والعدالة في تلك المهنة. والمعيار لغة كما ورد في معجم المعاني :جمعه :معاييرُ . والمِعْيَارُ في الفلسفة: نموذجٌ متَحَقَّقٌ أو مُتَصَوَّرٌ لما ينبغي أن يكون عليه الشيء.  والعلوم المعيارية هي: المنطق والأخلاق ، والجمال ، ونحوها. والعِيار: مقياسٌ يُقاسُ به غيرُه للحكم والتَّقييم . وغير مِعياريّ: مختلف أو غير ملتزم بمعيار معيَّن.

والمعايير (criterions  ) عادة تكتب وتحدد بشكل دقيق وواضح، وذلك بغية الحد من الأهواء الشخصية في تقدير الأمور وتوزينها أو قياسها. والأهم من ذلك أن من يحدد المعايير إنما يفعل ذلك لنفسه، ولغيره ممن سيوظفها في مختلف مجالات الحياة. كالتوظيف واختيار الافراد للقيام بأعمال عامه أو خاصة، أو لتقدير جودة العمل أو المنتج. وهكذا فإن المعايير يجب أن تكون مكتوبة بلغة واضحة لا اجتهاد فيها، ومعلنة للعامة، وليتقدم كل من يعتقد أنه قادر على العمل المنشود وفق معاييره المحددة. 

وبالتأكيد فإنه لا يجوز أن تتغير المعايير بتغير الأفراد، ولا توضع لتلائم موجودات وخصائص شخص ما، أو منتج معين، أو فئة من الناس بغية تحقيق مكاسب خاصة، إذ إن الهدف منها عام، ولفائدة المجتمع كله، وليس لأحد دون غيره. والمعايير المتزنة هي تلك التي يضعها عادة مجموعة من الناس موصوفين بالدراية، والثقة، والنزاهة والعمل المخلص المنتمي، فهم يمتلكون المعرفة والخبرة، وعلى اطلاع بمكنونات العمل وبحيثياته، وآخر مستجداته في العالم المعرفي، والمهني، ولبتم الارتقاء به نحو الأفضل.

 وتتحقق العدالة عادة من خلال المعايير الموثوقة، وتتأكد مفاهيم تكافؤ الفرص، والمساواة الاجتماعية، والتي بدورها تعزز مفاهيم كالإنتماء، والمواطنة، والسلم الاجتماعي. إذ كيف يمكن أن يسود السلم الاجتماعي عندما توضع معايير لتناسب شخصا دون آخر، وتعمل على تخطي كفاءات بغيرها أقل فاعلية ودراية؟ إذ كيف يمكن لمجتمع أن تتقدم مؤسساته، عندما يتصدرها من هم ليسوا أكفاء لإدارتها؟  وهل يمكن أن تتعزز قيم المواطنه، وأنت ترى أن آخر ما تفكر فيه هو الكفاءة، والمقدرة، والنزاهة، لتنافس غيرك ممن هم ليسوا كذلك؟ إذ كيف يمكن لك أن تنافس غيرك لخدمة الوطن، وأنت لا تعرف تلك المعايير التي يمكن أن تؤهلك للتقدم لمواقع إدارية متقدمة، غير معيار المعرفة بالآخرين وصلتك بهم، أو بمقدار حجم أمور ليست لها علاقة بمعايير العمل المنشود.

إن وضع المعايير يأني كنتيجة لاتفاق عدد كبير من الأشخاص، ولا يضعها عدد قليل منهم. إذ كلما زاد عددهم، كلما كانت أكثر حيادية، وأكثر واقعية، وأكثر انصافا، واشمل بالنزاهة. كما أن مناقشة المعايير أمر مهم لاقرارها، إذ لا يجوز أن يتفرد بها عدد محدود من الأشخاص. والمعايير عادة توضع لأعمال متشابهة، فلا يجوز أن توضع أكثر من معايير لعمل واحد، ولا يجوز أن تختلف باختلاف الأشخاص. إن خصائص القائد الإداري الأكاديمي مثلا لا يمكن أن تتغير وتتبدل بين ليلة وضحاها، أو تتغير بأمزجة متقلبة بين الربيع والصيف والشتاء. فالمعايير للعمل تستمر لفترة طويلة، قد تمتد لسنين. ومعايير الجودة ومعايير الكفاءة الإدارية الأكاديمية لا تقاس ولا يحكم عليها بالمزاج، إنها عملية علمية ترتكز على قواعد واجراءات محكمة ومنطقية، ولا تتغير بتغير الأفراد. كما أن أوزانها لا تتبدل ولا تتعدل وفقا لرغبات أي فرد أو أي مزاج.

وهكذا، ووفقا لذلك فإن ما يمكن ملاحظته في كثير من الأمور المرتبطة بمؤسسات المجتمع المدني يدعونا إلى التساؤل حول العديد من المعايير الغامضة، والمعايير غير المدروسة التي يتقدم بها أفراد أو لجان، أو ما شابه ذلك، تثير الحزن حينا وتثير العجب والاستغراب لمكنونات العرض الأول وما يليه من عروض. قد تبدو المعايير أحيانا مدروسة لتلائم من تلائم، وقد تبدو أحيانا مزاجية، وأي مزاجية هذه الموغلة في التخاصية، أو أنها غير علمية لتشير إلى الجهل المبين بخصائص العمل أو المهنة. إن ما يحدثه الارباك الدائر في التعليم العالي حاليا هو أكبر دليل على إضاعة البوصلة لمؤشراته، ولتمرير أو تغيير مفاهيم بغيرها أضيع من سابقاتها، وأكثر ايلاما لمنتسبيها، ووفقا لمفاهيم المواطنة، والنزاهة والشفافية، والشجاعة والرؤية الاخلاقية. فهل لا نمتلك المعرفة، والخبرة، والشخصية على تبني معايير يمكن أن تتجه بنا نحو الأمام خطوة؟ وأن تشير لنا نحو المستقبل بأمانة وراحة بال وطمأنينة لغد مشرق لأبنائنا في وطن تسوده المواطنة الصالحة، والأمن، والأمان القيمي الأخلاقي، المبني على العدالة، وتكافؤ الفرص، وحتى في فرص التعليم الأساسي. فكيف هو الأمر في مواقع مؤسسات المجتمع المتقدم؟ وكيف يمكن لشخص أو مجموعة أشخاص وهم في مواقع متقدمة، ويمتلكون المقدرة على اتخاذ قرارات تمس الوطن، أن يخدموه بكفاءة وإخلاص، وبإيمان مهما تغير الزمن، او تبدل؟  وهو أو هم لا يستطيعون أن يميزوا بين الأستراتيجية، والتخطيط قريب المدى، دون بعيد المدى؟
 

التعليقات

اكاديمي (.) الاثنين, 07/13/2015 - 08:24

مقالة بالصميم

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)