TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
الحقيقة والخيال وهزائم خلف في حزيران
10/06/2014 - 4:00am

طلبة نيوز-د.م حكمت ألقطاونه

عاد ذات صباح وقد ارتفعت شمس الضحى بمقدار رمحين، الرمح مقياس أردني فلاحي بدوي يعود تاريخه إلى ما قبل الملك الإنجليزي هنري الأول 1424م والذي أقترن قياس وحدة القدم بطول قدمه.
الرمح الأردني،وحدة قياس مسافة يساوي طول الحج خلف من أسفل حذائه (أبو أصبع) وحتى أطراف أصابع يديه الممدوتيين عاليا فوق رأسه.
وحدات القياس وتاريخ الملك هنري للتخفيف فقط من وطأة اكتئاب يصيبنا حينما نعيش مأساة الحياة مع الحج خلف، لقد عاد من سوق الماشية حيث تَعَّوَّد أن يكون كل يوم قبل أذان الفجر هناك، يلتقط رزقه قبل الطير أو وهي في وكناتها، دينارين، ثلاثة، وبعض أحيان خمسة، وأحيانا نصف دينار سمسرة على صفقة قوامها عنز (عوايه) أصابها عُجفة سنين الأردن وعُقم الحال في جنوب وأطراف وطن خلف.
عاد ويا ليته خرج ولم يعد!،... في ذلك اليوم حمل معه مطالب أم سلامه، غَشيَ السوق ليشتري لها حلقوما وسكرا وشايا وهيلا وقهوة ومساميرا من أجل إصلاح حذاء ابنتها الخرب، لكنه عاد عبر السوق ولم يجد دكانة أبو موسى مفتوحة كالعادة، فأبو موسى لأمر جلل استقل الباص إلى العاصمة العظيمة المتورمة عمان.
في ذلك اليوم وكما كثير من أيام خلف، عاد بخفي حنين، لم يربح متليكا أصفراً ولم يجد أبو موسى ليأخذ من دكانه حاجات البيت دينا (على الدفتر)…. عاد كما الطير ولكن خماصاً لا بطاناً، كسير جناح، يجر أذيال الخيبة ويلعن الحياة وأبو (سنسفيل الدولة والعرب).
كعادتها العجوز، صاحية من الفجر، تلملم بعض الزبالة حول الدار بأطراف الصحراء المجدبة بمكنسة مصنوعة من شجر (الوسبى)، شعرت - وهي ألخبيرة بأوجاع خلف- أحست ببؤس حال خلف فور أن رأته متوكئا عصاه عائدا من المدينة ومن سوق (الحلال) أو سوق الماشية، كما يسمونه بعد ما أتى أولاد الحرام على كل ما هو حلال في هذا البلد الطيب، خلف عائدٌ مهزوم، كما انهزم مرة في حزيران أو كأنما دُمرت أساطيله وأُحرقت سفنه،...عاد قاطب الحاجبين، مهموم، مسوّدٌ وجهه، وسود الله وجه من كان السبب.
رحبت العجوز بخلف خوفا منه وعليه ودعته إلى فراشه، (جنبيه قديمة بالية) بجانب ألغربي من الدار في الظل، اجتنابا لشمس صباحات حزيران الحارقة، وكما تَعَوَّدَ أن يشرب الشاي ويتناول إفطاره في أيام القيظ، لكنه عَرَّج إلى البيت حيث ولده سلامه ما زال نائما وكذلك شريفه ابنته العانس المتعلمة وبلا عمل منذ عقدين من الزمن وأكثر.
صرخ بغضب: سلامه!... (يابا، يا سلامه، النوم بقطع الرزق يا وليدي!)، وكم كان يرغب بجلده (بعصاه) لكن شيئا ما منعه،أو كأنما شُلت يده، فلعلها شفقة الأبوة، أو لعله تذكر المرحوم والده لحظة شقاء،…ليجلد نفسه، ليتعذب هو، لينفلق قلبه، أرحم له من أن يجلد فلذة كبده المُعذب،…(لو صحوت بدري يا سلامه وغَرّبت صوب عمك المختار أبو عريف تراه وعدني يضرب تلفون للوزير، بلكن شَغَلَك معلم أو في مكتب البريد أنت أو أختك !...والمثل قال يا سلامه:(كلب تعسعس ولا ذيب نايم)).
سلامه متثاقلا كئيبا نعوسا يُجيب الختيار: (يا بي، الله يسامحك هذا الكلام كله ما بينفع وترى انمسخنا من كثر ما ترجينا الناس وبدون فايدة وكله كلام في كلام ...هذا الكلام اللي بتقوله يابا، خيال في خيال...والله يا با... خيال!).
فكر الحج خلف مليا وتندت جبينه ببعض قطرات عرق باردة مع هجمة ألم قابضة في صدره وقال: (لا تكثر الهرج والفلفسة، قوم وتعال اقعد معاي بجنب الدار وخلي أمك تلحقنا بإبريق الشاي).
سرعان ما التم شمل خلف وسلامه والعجوز حول إبريق الشاي في ظلة الصباح بالجانب الغربي للغرفتين المكتوب فوق باب إحداهما:(هاضا من فضل ربي).
سلامه خائف وجلٌ، يحسب حساب غضبة والده الظاهرة في مُحياه المُجعد بوجع السنين وخرائط الزمن، وكذلك العجوز تنتظر ماذا سوف يتكلم خلف؟.
أخيرا نطق الشايب بمرارة وألم وقال: يا أم سلامه!،..... لو أن أحدا جاءنا وأعطانا مليون دينار مقابل أن يفعل بك كذا وكذا ما ذا ستفعلين... أتوافقينه؟.
العجوز عيب الكلام يا أبو سلامه، ماذا دهاك وأصابك بسوق الماشية مع فجر هذا اليوم؟.
الختيار: يا أم سلامه، هو كلام في كلام، لكن ألله "يهديكي" فكري معي شويه، لو وافقتي فرضا، أكيد راح تتوظف وتتزوج بنتك شريفه بسرعة البرق، وراح نبني دار أحسن من هذه الخربانة، راح تفرج علينا، وسلامه أبنك - الكبش هذا- إما أنه بصير من أولاد الهاي هاي وبعينوه في الوزارة أو أنه بفتح له مصلحة كبيرة وبصير من (أزلام) البلد والدولة،... بصير من (رجال البسبس- يعني البزنس)، وأنا بشتري (بكم نيسان)....نيسان أزرق يا حمامه وبحطك بجنبي و.. وين أنتي يا المدينه؟!... وبلبسك أنتي وبنتك من ساسك لراسك،... واطلبي واتمني، حتى قلادة ذهب رشادي بتعلقيها برقبتك وفي أديكي بتلبسي مباريم ذهب .... بس توافقي، وهذه الدنيا سوالف في سواليف وكلها أكمن دقيقه وما حدا داري يا أم سلامه بها ألموضوع وكله كلام في كلام!.
أم سلامه مكسورة الخاطر حزينه تقول: إلتاص علي الراي يا حج خلف، والله كلامك مُحير وأخيرا أحنا ما إلنا كلام ولا راي مع كلامك ...ما إلنا شور وأنت موجود فوق روسنا يا أبو سلامه ولا أنا عارفة ماذا أقول؟!.
طيب، زين وعين يا أم سلامه، خذي إبريق الشاي وجدديه لينا وارسليلي شريفه.
جاءت شريفه ودار بينها وبين الشايب نفس الحوار الذي دار مع والدتها ووصلت ألأمور في نهاية المطاف أن سكتت شريفه، مطأطئة الرأس حزناً وخجلا، فشريفه ما زالت بكرا وسكوت البكر أحياناً.... يعني رضاها أو استسلامها وانكسارها وربما حزنها الذي يعتصر دواخلها!.
الحج خلف: روحي يا بنيتي يا شريفه واتركينا لحالنا أنا وسلامه، وصمت قليلا وبعد أن تأكد أن شريفه ابتعدت تنفس عميقا وبصعوبة والتفت مخاطبا سلامه وهو يُداعب الحصى برأس عصاه: يا بي يا سلامه! ويش رايك في اللي سمعته الآن مع أختك وأمك؟.
سلامه متفلسفا: والله يا والدي ترى الحياة تغيرت كثيرا عن زمان، يا ما زعران وعديمي الشرف سادوا وتحكموا بمصير شرفاء ولهفوا البلاد وأهلها ومقاييس اليوم غير عن هذاك الزمان.
الحج خلف: أنا ناديتك يا سلامه لتسمع ما دار بيني وبين أختك وبيني وبين ألعجوز لأُعلمك درسا حول الحقيقة والخيال في وطن الأردنيين الكرام،... الخيال يا سلامه أن يأتي أحدهم من أصحاب الملايين إلى هذا القفر أليابس البائس ويعرض مليون دينار مقابل يتونس مع عجوز عوجا أو مع المقرقشه العجفاء أختك!.
سلامه متسائلا : والحقيقة؟.
الحقيقة يا وليدي يا سلامه، إنه لاميّن عندنا في البيت (.....) ثنتين!...وقارئي حصيف يفهم الفراغ.
هذا ما رويته عن الإعرابي، وليعذرني أخي الأردني الأصيل طايل البشابشة في غربته الهارب من وطن الملح بحثا عن رزقه في مدن الملح، بعيدا عن وطن خلف!.
وما زلنا مع عبدالرحمن منيف في شرق المتوسط والملح يُرش على الجرح وقد يبدو كلامي غير واضح بالمقدار ألكافي ، أعي ذلك، وكما هو كل شيء في هذه الحياة، ولكن ماذا سيتغير إذا ما صدعت رؤوسكم بهذا ألمقدار ألهائل من ألوقائع ألصغيرة؟ ثم ماذا تعني تلك ألوقائع الصغيرة بعد ألخراب ألذي حصل وعم أغلب الأشياء؟ وإذا كتبت أو لم أكتب ماذا سيتغير في هذا ألكون وهل أوهم نفسي أن لا يزال هنالك من يقرأ ويمكن أن يفعل شيئاً ذات يوم؟...لا أريد جواباً من أي نوع ، لكن في نفس ألوقت لا أصدق أن إنسانا في هذا ألبلد يملك هذا المقدار ألهائل من ألأحزان والألم والتعاسة دون أن يشعر بذلك!.
كلنا خلف، ما زال مكتوبا على الأردنيات الخلف، سيبقى ثمة خلف، وحتى أُثبت لكم أن قصة خلف مُستمرة، سألوذ جانباً بوجع خلف، حكايات خلف لن تتوقف ولن تنتهي، فعسى ولعل أن يستلم الراية أحدهم، فكثيرٌ ولو حتى سُميَ باسم آخر فهو خلف!.
سأبقى على العهد ولو كُسرَ قلمي وزحفت بقلب مُحطم أو حتى لو قُطعت يداي، سأُحلق بجناحي جعفر فوق وطن خلف ما طرق أنفي هواء الأردن - هواء الكرك القادم من حيفا من فلسطين مرورا بالخليل- وما انتفخت به رئتاي وحتى يرحل الظالمون بظلمهم عن وطني وحتى يعطوا المعازيب الخلف!،.......وداعا أيها السلاح وداعا خلف!.

التعليقات

احمد صالح (.) الثلاثاء, 06/10/2014 - 09:27

كبيررررررررررررر ابو عمر دائما وابدا

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)