TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
الأردن أمام تحديات إقليمية: بين حماية الوطن وتبعات سياسة حزب الله وإيران
01/10/2024 - 1:00am

بقلم : ا د محمد تركي بني سلامة

في ضوء التطورات الأخيرة التي شهدتها المنطقة، وخاصة بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، على يد إسرائيل، انفجر الجدل في الأردن والمنطقة حول موقف إيران وحول دور نصر الله وولائه للبنان وفلسطين مقابل ولائه لولاية الفقيه. هذا السؤال المعقد يثير تساؤلات كثيرة في الأوساط السياسية والإعلامية، حيث يُعتبر نصر الله رمزًا بارزًا للمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهو ما جعله يحظى بتقدير واحترام العديد داخل لبنان وخارجه، خاصة من الذين يرون في حزب الله درعًا يدافع عن الأراضي العربية.

لكن السؤال الذي لا يزال مطروحًا هو: هل كان ولاء حسن نصر الله للبنان كدولة مستقلة ذات سيادة؟ أم كان ولاؤه يتجه أكثر نحو المصالح الإيرانية وولاية الفقيه؟

لقد أعلن نصر الله مرارًا وتكرارًا أن ولاءه لولي الفقيه لا يتجزأ، وأن مشروعه السياسي لا يقتصر على لبنان فقط، بل يشمل "الجمهورية الإسلامية الكبرى". هذا الموقف أثار موجة من الجدل والنقاش بين مؤيديه ومعارضيه، حيث رأى البعض في هذا الموقف تضحية بسيادة لبنان لصالح طموحات إيران الإقليمية وتوسعاتها.

منذ تأسيس حزب الله في عام 1982، تحول الحزب إلى ذراع قوية لإيران في الشرق الأوسط، وأصبح جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيتها الإقليمية. ولعب الحزب دورًا محوريًا في النزاعات الإقليمية، بدءًا من دعمه لنظام بشار الأسد في الحرب الأهلية السورية، وصولًا إلى استخدامه لنفوذه السياسي والعسكري لتعزيز مصالح إيران في المنطقة.

هذه التحركات جعلت حزب الله أكثر من مجرد فصيل سياسي لبناني، بل قوة عسكرية ذات تأثير على السياسات الإقليمية.
الدعم الإيراني لحزب الله لم يكن محدودًا بالتمويل والتسليح فحسب، بل كان له بُعد عقائدي أيضًا. فالحزب يعتمد على ولاية الفقيه كمرشد سياسي وروحي، وهو ما منح الحزب نفوذًا كبيرًا داخل لبنان، لكنه في الوقت ذاته جعله عرضة للانتقادات حول تبعيته لإيران. هذه التبعية، حسب البعض، ساهمت في تصعيد الانقسامات الداخلية في لبنان، حيث أصبح حزب الله قوة مهيمنة تتبع أجندة إقليمية خارج حدود الدولة اللبنانية ،وبعيدة عن أولوياتها، بدلاً من أن تكون في خدمة المصالح الوطنية اللبنانية .
أحد التحديات الكبرى التي واجهها نصر الله هو التوفيق بين ولائه لولاية الفقيه ومصلحة لبنان الوطنية. فالتداخل بين العقيدة السياسية والدينية من جهة، والمصالح الوطنية للبنان من جهة أخرى، كان دائمًا مثار جدل. هل كان هذا التداخل يخدم مصلحة لبنان أم أضر بها؟ الأدلة تشير إلى أن هذا التبعية للعقيدة الإيرانية كانت ضارة جدا بالمصالح الوطنية اللبنانية و جعلت لبنان عرضة للضغوط الإقليمية والدولية، حيث أثر تورط حزب الله في النزاعات الإقليمية، مثل النزاع السوري، بشكل سلبي على استقرار لبنان السياسي والاقتصادي.
لبنان في حاجة ماسة إلى تعزيز وحدته الداخلية لمواجهة التحديات الخارجية التي تهدد أمنه واستقراره، لكن التدخل الإيراني في سياساته عبر حزب الله يزيد من هذه التحديات ويجعل الوضع أكثر تعقيدًا.
في ظل الظروف الإقليمية المتغيرة، واستمرار العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية وسوريا واليمن ، إلى جانب تصاعد التوترات في لبنان واحتمالات الاجتباح الاسرائيلي ، يجب أن يُدرك الأردن أن استقرار المنطقة ينعكس مباشرة على أمنه واستقراره الداخلي. فالأردن يواجه تحديات سياسية وأمنية متزايدة بسبب عدم الاستقرار في دول الجوار، سواء في لبنان او سوريا أو العراق أو فلسطين، ولا يمكنه أن يظل بمعزل عن تداعيات هذه الأزمات المتفاقمة.
من هذا المنطلق، يجب أن يكون تركيز الأردن الأساسي على حماية أمنه الوطني وتعزيز استقراره الداخلي. الوضع الإقليمي المعقد، خصوصًا مع استمرار الاعتداءات الإسرائيلية وما يرافقها من تطورات في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا، يستدعي من الأردن تجنب أي انزلاق نحو الفوضى أو الانقسامات الداخلية. يجب أن تكون أولوية الأردن الحفاظ على وحدته الوطنية وتجنب الاستقطابات السياسية أو الاجتماعية التي قد تضر بالوطن في مثل هذه الأوقات الحساسة.
الأردن دولة لها تاريخ طويل في مواجهة التحديات الإقليمية، ويعتمد بقاؤه على تماسك شعبه وقوة مؤسساته. لهذا السبب، يجب على الجميع، سواء في الحكومة أو المعارضة، التكاتف في مواجهة التحديات الخارجية التي تهدد استقرار الأردن. التعاون الإقليمي مع الدول الصديقة والشقيقة يجب أن يكون جزءًا أساسيًا من استراتيجية الأردن لمواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية التي تفرضها الأوضاع الإقليمية المتوترة.
ختامًا، يواجه الأردن تحديات كبرى تتطلب من الجميع وحدة الصفوف وتجنب الانقسامات. إن قوة الأردن تكمن في الإيمان بحكمة وحنكة القيادة الهاشمية، التي أثبتت عبر السنوات قدرتها على توجيه البلاد خلال الأزمات والعبور بها الى شواطئ الامان . بالإضافة إلى ذلك، الثقة بقدرة مؤسسات الدولة المختلفة، وعلى رأسها القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، تُعد ضرورية للحفاظ على الأمن الوطني والتصدي لأي تهديدات داخلية أو خارجية. هذه المؤسسات لطالما كانت الدرع الحامي للأردن، وتستمر في أداء دورها في حماية استقرار البلاد.
تضاف إلى ذلك أهمية تماسك الشعب الأردني ووعيه بالمخاطر الراهنة. وعي المواطن الأردني بدوره في حماية الوطن وتجنبه لأي تأثيرات سلبية يمكن أن تؤدي إلى الفتن أو الانقسامات هو جزء أساسي في مواجهة التحديات. في هذه المرحلة الحساسة، يجب أن تتوحد الجهود خلف هدف واحد، وهو حماية الأردن واستقراره، دون أي مزايدات أو تجاذبات او استقطابات اي تاثيرات سلبية يمكن ان تؤدي إلى الفتن او الانقسامات التي تعكر صفو الوحدة الوطنية.
حماية الوطن ليست مسؤولية القيادة وحدها، بل هي مسؤولية جماعية تتطلب من الجميع التعاون والتكاتف. فقط من خلال وحدة الصف يمكن للأردن مواجهة التحديات الكبرى التي تفرضها الأوضاع الإقليمية المتوترة، وضمان بقاء المملكة قوية ومستقرة في ظل الظروف الإقليمية المضطربة . والله المستعان.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)