TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
دعوى الإصلاح .. بين التأسيس و التسييس إلى التدمير !
19/02/2015 - 10:15am

طلبة نيوز-

*سعيد نواصره آل عبادي

إنّ الأصول العامة التي استندت عليها الأمّة في تحصيل أسباب عزّتها وتمكينها في الأرض لم تتجاوز – قطْعاً - نصوص الكتاب والسّنة ؛ لكنّها كانت – في كل زمان ومكان – تحتاج لقلوبٍ حيّةٍ مُلهمة ، وعقولٍ مستنيرة بهُدى العلم والاتّباع ؛ لا تجدها إلا رحبة بما يُعظّم دين الله - تعالى – في نفوس الخلق ، أو يُعلي سنّة النبيّ – صلى الله عليه وسلّم – وأصحابه أهل التقى والعدل والحق ؛ وما سرى فينا وهنٌ أو أصابنا هوانٌ إلّا بمقدار التخلّف عَن تلك الأصول وإهمالها ؛ وهذا مُقرّرٌ عند العلماء من أهل السنة والجماعة ، ومكرّرٌ في الكتب والمصنفات الهامة .
لعلّ واحداً من أكبر أسباب انتكاسات المسلمين – وكذلك ظهور الفتن فيهم – هو التفرّق في الدين ، ونشوء الأحزاب والطوائف والفرق المختلفة ؛ والتي بدت – في كثيرٍ من أحوالها – غير قادرة على استيعاب المنهج النبوي أو فهمه ، وبالتالي العجز عن تطبيقه وامتثاله ؛ وهذا عائد إلى أسباب كثيرة أوّلها : ورود جملة من الشبهات العقلية على بعض الأفراد عند معالجتهم المسائل والقضايا العامة المتعلقة بالمجتمع المسلم لا سيّما مع نقص العلم الصحيح لديهم ؛ وهو عينُ ما حصل لمن عُرفوا بوصف الخوارج الذين استباحوا دماء المسلمين وانتهكوا حُرماتهم بما انقدح في أذهانهم من الشبهات الباطلة المُفضية إلى التكفير أو الحكم على الجماعة الإسلاميّة بالردّة عن الإسلام ! ، وسببٌ آخر هو الأفكار الذّاتيّة - المُخْتلَقة أو المُتعلّمة – الخارجة عن مسالك أهل السّنة والجماعة في استنباط الأحكام المتعلقة بالشريعة خاصة في جانب العقيدة ؛ ما أدّى إلى ظهور الفرق الفلسفيّة كالمعتزلة وغيرهم من أهل الكلام ؛ ولا مبالغة في القول أنّ ما أحدثته تلك الفرق من الفساد والتشويه في الإسلام قد قارب كثيراً ما ناله من أعدائه ، ولعلّ هذا ما دفع الكثيرين من العلماء إلى اعتبار مقارعة تلك الطوائف وفضح مناهجهم من الجهاد في سبيل الله – تعالى – وذبٌّ عن دينه الذي اصطفى لعباده المتقين .
في عصرنا هذا تنوّعت الأساليب التي تداعت إلى تفريق كلمة المسلمين ، وتلبيس أمر دينهم عليهم وانتشار البدع والخرافات فيهم ؛ كان المسلمون معها أحوج ما يكونون للمنهج النبوي الجامع كما فهمه أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – وعلّموه الأمّة بسيرتهم العمليّة ، حينئذٍ تنعدم منابت الاختلاف وتزداد ثوابت الائتلاف ؛ وظهرت بالفعل دعوات بهذا لكنّ أناساً كثيرين أبَوْا إلّا نفوراً ورفضاً ؛ إذ نشأت دعوات إصلاحيّة فرديّة غَلَب عليها الطابع الفكري أكثر من التزام النصوص الشّرعيّة وفهم علماء السلف لها ومنهجهم في إنزالها على واقع المسلمين ؛ فكان من الحتْم تحوّل تلك الدعوات – مع تكاثر الأتباع – إلى اتجاهات فكريّة يحتاج نشْرُها إلى عمل تنظيمي فعمدوا إلى تأسيس الجمعيات والأحزاب التي وجدت نفسها في وسط مؤثرات سياسيّة كان لها دوراً ظاهراً في تطور ذلك العمل التنظيمي إلى الفكر الحزبي ، ونزعته نحو المبادئ العامة للسياسة العصريّة فوجد ما عُرف بعدُ بأحزاب ( الإسلام السياسي ! ) وأشهرها ( الإخوان المسلمون ) ؛ وهو حزبٌ لازال يمثلّ بسيرته نموذجاً واضحاً للنفق السياسي المظلم الذي سلكته تلك الأحزاب و الأنظمة الحاكمة في البلاد العربيّة بما فيه من تعقيدات وزيف والتواء .. ، و صراعٍ دائم على السلطة عبر علاقة مضطربة مشوّهة عرجاء .
لم يكن انتقال أحزاب الإسلام السياسيّ من الأصول الشّرعيّة للإصلاح عامّة إلى العمل السياسيّ بمبادئه العصريّة معتمداً على استغلال العاطفة الفطريّة في نفوس الناس نحو استعادة عزّة الإسلام وتمكين المسلمين في الأرض فحسب ؛ بل كان لهم وسائل عمليّة وفكريّة كثيرة اجتهدوا في تطبيقها وإنفاذها بين الشعوب العربيّة المسلمة منها :
أوّلاً : المطالبة بربط النصوص الشرعيّة بالمصالح الهامّة للمسلمين ، ثمّ استبدال هذه المصالح الشرعيّة المعتبرة بأخرى مناقضة لها أو خارجة عنها بحكم ما يحتفّ بها من قرائن وأوصاف ؛ فإنهم – ابتداءً – دَعوْا إلى ضرورة اشتغال الجماعات الإسلاميّة بالعمل السياسيّ ، واحتجوا بأنّ فيها مصلحة شرعيّة تتمثلُ بعدم ترْك أمور الناس لـ ( غير الإسلاميين ) ، ثم ما لبثوا قليلاً حتى أنْستهم السياسة العصريّة أصولَهم الشرعيّة الصحيحة، فاستبدلوها بمبادئ ومصطلحات السياسة المعاصرة بما فيها من المنكرات والمخالفات الصريحة !؛ فظهر عندهم ما لم يفرّقْهم عن باقي الأحزاب السياسيّة كـ ( حكم الشعب )! و (سيادة الشعب )! و ( السلطة الحزبيّة ) و ( التطبيقات الديموقراطيّة ) ؛ ورغم أنّ كثيرين من منظريهم قد بذلوا جهد أنفسهم في تبرير – أو قل تمرير – هذه المصطلحات ، وإضفاء الصبغة الشرعية عليها ؛ إلا أنّ واقعهم عند الوصول للسلطة ينسف كلّ هذا بكلّ سهولة ! .
ثانياً : الاجتهادُ في إبراز التفسيرات السياسيّة الحديثة للنصوص الثابتة - خاصة تلك التي وردت في جانب العلاقة بين الحاكم والمحكوم – وإحلالها مكانَ أقوال أهل العلم المعتبرين عليها ، وكذلك غضّ السّمع عَن القواعد العامّة لأصول الفقه الإسلامي التي تُعين على استنباط الأحكام الشّرعيّة من النصوص وتزيل سوء الفهم وغلطه عنها ؛ فسوّغوا المظاهرات – مثلاً – وشجّعوا تنظيمها بما ورد من الآيات والأحاديث الدّاعية إلى إنكار المنكر ، ومثل هذا فعلوا في مسائل الإنكار علانيّة على الحاكم الظالم فأسهبوا في نشر النصوص الشّرعيّة الصريحة في تحريم الظلم والصدع بكلمة الحقّ ، واستعمالها في التقديم للكلام في ظلم الحاكم أو فساده على المنابر ؛ دون أدنى نظر في العواقب والمآلات ، أو الموازنة بين المصالح والمفاسد ، أو التزام الضوابط الشّرعيّة التي تحكم وسائل الإنكار والأمر بالمعروف .
ثالثاً : تكريس الذهنيّة السياسيّة لدى الأتباع – خاصة الشباب منهم – بوسائل فكريّة ومادّية ؛ فعمدوا إلى جعل الدروس الدينيّة في المساجد وغيرها للكلام في السياسة العصريّة العالميّة ونقد الحكّام والحكومات تحت غطاء ناديهم المبتدع ( فقه الواقع ) الذي فارقوا به أهل العلم في ضرورة ردّ الأمة إلى عقيدة التوحيد الصحيحة والسّنة المطهّرة كأساس لنهضتها من جديد ؛ بل كانوا ينفّرون شبابهم وشيبهم من أعْلام هذه الدّعوة الصادقة بشتى الأساليب وإنْ كان منها اتهامهم بالعمالة و تخذيل الأمّة عن الجهاد - الذي هو عندهم الاشتغال بالسياسة والمظاهرات – ووصفهم بعلماء الحيض والنفاس على سبيل الانتقاص وتنفير الخواصّ من الناس ! ؛ وكان هذا – كلّه – مترافقاً مع إنشاء إعلام حزبيّ طافحٍ بالمقالات التي تحلّل الوقائع والأحداث السياسيّة اليوميّة ، ونشر الأخبار المهيّجة للشعوب على حكوماتها وحكّامها بذريعة كشْف الفساد ومحاربته !؛ ولقد رأينا فعل ذلك الإعلام فيما تمرّ به بعض الدول العربيّة من ثورات واقتتال أسْموه – زوراً وتلبيساً – ربيعاً عربيّاً !.
كان لأحزاب الإسلام السياسيّ – خاصّة الإخوان المسلمون – مسيرةً طويلة من العمل السياسيّ المعاصر الذي كان يدور بين مدِّ وجزر ؛ فلم يخلُ من الصراعات أو التحالفات الفكريّة والسياسية مع الأحزاب العلمانيّة تارة ، وأخرى من العنف والشدّة التي دعتهم إلى تشكيل التنظيمات الدّاخليّة التي كانت بمثابة الذراع الخشن في التعامل مع الخصوم ؛ ولكن فيما بعد وجدناهم وقد ركنوا إلى العمل السياسيّ المعاصر بكلّ عناصره ومقوّماته واستحقاقاته التي يصطدم كثيرٌ منها مع أصول الإصلاح الشرعي للمجتمعات والأفراد ؛ فقدّموا – في عملهم الحزبي – كلّ مبادئ الديموقراطيّة للوصول إلى البرلمانات والسلطة والمناصب ، وغدت المظاهرات والمسيرات من أهم أصولهم التي يتعاملون بها مع حكومات بلدانهم ، ولم يكترثوا فيها بأمر التحالف مع الأحزاب الأخرى حتى العلمانيّة منها ؛ فإنّ المبادئ السياسية المنظمة عملهم واحدة والأهداف كذلك ؛ ولا أدلّ على هذا من الأحداث الأخيرة فيما أطلقوا عليه وصف الثورات العربية ؛ والتي عصفت بالأمة – ولا تزال – بما أدى إلى دمارها وانهيارها وتمزّقها بكل ما تعنيه الكلمات وأكثر من هذا كما نراه اليوم مع الأسف والأسى .
إنّ ما نعايُنه اليوم من مشاهد القتل وسفك الدماء بين المسلمين لا يسرُّ الناظرين ، وما نعانيه بسبب الخائضين في الأحداث الجارية بغيرِ هُدَىً يزيدُ فينا الألم ويُزيلُ عنّا الأمل ، ويُغيرُ الجرح – اللهم إلّا المُنَظِّرين - ؛ وأكبر مِن هذا أولئك الذين لمّعَتْهُم وسائل الإعلام التي لا تَرْقب في المُسلمين أمْناً ولا استقراراً ؛ فاستهانوا بدماء الأبرياء – مساومة ومساوقة – تحت تأثير أوهام الحرّية والكرامة التي كانوا بالأمس القريب ينشدونها لدى الشيعة ، والعلمانيين ، والقوى الغربيّة باسم التقريب بين المذاهب ، وباسم الديمقراطيّة وسياسة مدّ الجسور ! .
كان بعْدُ الحدثُ المصري الذي كشف الغطاء عن زَيْف ما يسمّى ( الإسلام السياسي ) ، وهشاشة البناء الذي شيّده أصحابُه بالعمل الحزبيّ القائم على النّظام الديمقراطي الغربي ؛ وليس على تعظيم مسائل التوحيد والسّنة وتربية الأمة عليهما ؛ فكان حاصلُ هذا كلّه تدميرُ دول إسلاميّة ، وشيوع الفوضى والخراب فيها ، وسفْكُ دماء خَلْق كثير من المسلمين ، وتشريد آلافٍ آخرين ، ناهيك عن انتشار الفساد بأشكاله ، وتفرّق الناس وتفشي العصبيات الحزبية والطائفية بينهم ، وغير هذا مما أنهك جسدَ الأمة ، وأوغل في تهديم أركانها .

المنظّرون في أحزاب الإسلام السياسي جَهِدوا كثيراً في تكريس المبادئ الدقيقة للسياسة العصريّة بين الشعوب ، ووظفوا لها أساليب كثيرة مكّنتهم من نشرها وترويجها على الوجه الذي يخدم أحزابَهم ومذاهبَهم ؛ فكان دأبُهم الذي لا ينقطع موجّهاً نحو اضفاء الصبغة الشّرعية على المظاهرات والإضرابات ، والتشهير بعيوب الحكام وتزيين الخروج عليهم ، والتحريض على الثورات ..! ؛ وذلك دون اعتبار – ولو يسيرٍ – لما أصّلَهُ علماءُ الإسلام مِن القواعد الفقهيّة التي تصون الأحكام الشرعية عن الضّعف ، وتُنْزلها في محلٍّ يحفظ للأمّة أسباب قوّتها ومَنَعَتِها ، ويقيها شرّ الانزلاق في أتّون الفتن وضراوة بأسها .

مَنْ يستنكر هذا فلينظر ما آلت إليه دول ( الربيع العربي ! ) جرّاء التسرّع في إصدار الفتاوى والأحكام الدّاعية للمظاهرات والثورات ، والدّاعمة للخروج على الحكام ؛ من غير نظرٍ العواقب أو موازنة بين المصالح والمفاسد ، ولا اعتبارٍ للقدرة والاستطاعة ؛ حتى تمزقت دول بأكملها وانهارت ، وضيّع الناس أمنهم وشُرِّدوا ، واسْتُبيحت الأموال والأعراض ، وعمّت الفوضى فيها وشاع الخوف والجوع ؛ وأهل التنظير السياسيّ – مع ذلك كُلِّه – مُسْتكبرون مُبرِّرون : استكبروا على كثيرٍ من النصوص الشّرعيّة بفهمٍ سقيم ، وبرّروا ما حلّ وتحصّل لشعوب الربيع بحججٍ واهيةٍ لا تستقيم ! ، ولا زالوا مستميتين في الدفاع عن تلك الثورات كما ترى في إعلامهم ، والأدهى : أنهم يعيبون على المانعين للثورات أهل الفقه والنظر بما يُبغضه اللهُ – تعالى - ورسولُه مِنَ البُهتان والكذب والزّور الذي وَصَل حدّ التضليل والتخوين وحتى التكفير .. ؛ فأيّ فقهٍ هذا الذي أسّسه – وسيّسه ! - القوم ؟

التعليقات

hala1 الخميس, 02/19/2015 - 10:22

أبدعت بااااااارك الله فييييييييييييييييييييييك

ساهر صوف (.) الخميس, 02/19/2015 - 23:31

جزاك الله خيرا

سعيد نواصره آل عبادي (.) السبت, 02/21/2015 - 11:13

بارك الله فيكما ..

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)