طلبة نيوز- د. صلاح جرّار

نشرت قبل عدة أيّام على صفحتي في (الفيسبوك) مقولةً أرددها دائماً، مفادها أننا يمكن أن نواجه الأزمات والمشكلات المستعصية والتحديات التي تتعرض لها الأمّة بسلاح الثقافة. وقد تجاوب مع هذه المقولة عدد كبير من الأصدقاء من المثقفين والمفكرين والكتاب، كانت الأكثرية الغالبية منهم مؤيدةً لهذه الفكرة، ولكن رأى كلُّ واحدٍ منهم أن الثقافة تبدأ من زاوية مختلفة، فبعضهم ربط نهوض الثقافة بدورها بالمحافظة على اللغة العربيّة، وبعضهم ربط هذا النهوض بالمعرفة، وبعضهم ربطه بالعلم والبحث العلمي، وآخرون ربطوه بانتشار عادة القراءة بين الناس، وبعضهم ربطه بالأخلاق والسلوك القويم، وبعضهم رأى أن الثقافة ترتبط قبل كل شيء بالتربية، بينما ربطها آخرون بالوعي الاجتماعي والنشاط الفكري، وبعضهم ربطها بنشوء حركة تنوير، وبعضهم جعلها مرتبطةً بالمؤسسات الثقافية وتمويلها ومدى عناية الحكومات بها، وكثيرٌ منهم ربطوا الثقافة بعودة الناس إلى الدين، بينما ذهب بعضهم إلى أن الثقافة والعلم والأوراق لا قيمة لها أمام امتلاك القوة العسكرية والمالية.
وكان ردّي على أصحاب الرأي الأخير أن الثقافة في حال نهضتها وانتشارها بشكل صحيح قادرةٌ على أن تصنع القوة الاقتصادية والعسكرية، لأنّها من خلال تأثيرها على الناس تستطيع أن تصنع الانتماء والصدق والإخلاص بالعمل والسلوك، وهي أساس بناء أي قوةٍ للأمّة.
والذي أراه أن هؤلاء جميعاً محقون فيما ذهبوا إليه، فكل الذي انطلق منه هؤلاء الأصدقاء يمثل عناصر أساسيّة مكوّنة للثقافة، لأنّ الثقافة جامعةٌ للتربيّة والدين والأخلاق والقيم والسلوك والمبادئ والتراث والعلم والمعرفة بوسائلها المختلفة، ومادامت الثقافة جامعة لكل هذه العناصر فإنها في المحصلة قادرة على ضبط إيقاع هذه العناصر كافة والربط بينها وتفعيل عناصر القوة الكامنة فيها للنهوض بالأمّة وإعادة ثقتها بنفسها وتفعيل محركات التقدّم والبناء والنهوض ومقومات المنعة والصمود والقدرة على مواجهة التحديات.
إنّ للثقافة قدرةً غير محدودة على إسناد الأمّة في محنها وتحدياتها وإنقاذها من أزماتها، ولكنّ ذلك مرهونٌ بإرادة الأمّة أوّلاً وبقيام أهل الفكر والرأي بدورهم المأمول ثانياً وفق خطط مدروسة ورؤى واضحة.