TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
المناهج ودراسة الأدب
09/04/2014 - 5:00am

طلبة نيوز-د.رحيل محمد غرايبة
يحدثني صديقي الدكتور في كلية الهندسة قائلاً عندما دخلت قاعة الدرس، وجدت السبورة تحتاج إلى مسح، فقلت: من فتى،اقتباساً من بيت الشعر المشهور للشاعر الجاهلي المعروف طرفه بن العبد القائل :
اذا القوم قالوا من فتى؟خلت انني
عنيت، فلم اكسل ولـم اتــبـلـد
ينظر الطلاب بدهشة، ولا يعرف أحد هذا البيت، ولم يعرف أحد منهم طرفة بن العبد، ويُعقب الأستاذ قائلاً: جيل جديد لا يعرف الأدب ولا الشعر ولا الشعراء!
هذه الحالة تعبر عن شريحة من طلابنا الذين حصلوا على معدلات مرتفعة أهلتهم لدخول كلية الهندسة في الجامعة الأردنية، مما يؤشر على حجم المشكلة ويلقي الضوء على جوانبها العديدة، مما يجعلنا نقف لنجيب على السؤال الكبير، هل مناهجنا الحديثة، حققت أهدافها وهل هي في تقدم أم تراجع؟، وهل استطاعت بناء الإنسان الأردني الذي يتمتع بذهنية منفتحة، وذوق رفيع، وهمة عالية، ووجدان معافى، وانتماء عميق للوطن، ويمتلك المهارات المطلوبة لمواجهة الحياة ومشاكلها واعبائها، وهل سيكون قادراً على الإسهام في نهضة بلده وأمته؟
كنت طفلاً يافعاً في المدرسة وخارج المدرسة، وما زلت أذكر حفلات السمر لشباب الحارة كيف كانوا يقسمون أنفسهم فريقين يتباريان في لعبة الشعر عن طريق الإتيان ببيت شعر يبدأ بما ينتهي به بيت شعر الخصم، وهكذا يتم تسجيل النقاط، وكانت هذه اللعبة جزءاً من المسابقات المدرسية بين الطلاب والأساتذة، وبين الصفوف، وكانت تمثل هذه اللعبة أسلوباً للتسلية أثناء العمل الشاق في أعمال الحصاد، وجمع ثمار البندورة، أو قلع العدس والكرسنّة، مما كان يخفف من عبء العمل وطول الوقت، مع قليل من المداعبات، والقفشات التي لا تخلو من إثارة الضحك وإبعاث السرور.
كانت مناهج التخصص العلمي لا تختلف كثيراً عن مناهج الأدبي من حيث الاهتمام بالأدب وتاريخه، ولم يكن الطلاب العلميون بأقل من أقرانهم في التخصص الأدبي من حيث حصيلة الشعر واتقان فنون البلاغة والعروض، وحفظ المعلقات، حيث أن الشعر العربي كان السجل الحافل الذي سطر حياة العرب في كل مجالاتها، وأظهر منظومة القيم النبيلة التي كان يتمتع بها المجتمع العربي الجاهلي قبل مجيء الإسلام.

الذي كان مؤهلاً لحمل رسالة الاسلام ونصرة محمد النبي العربي صلى الله عليه وسلم، في معركة التمدن الانساني والتحضر البشري.
أعتقد أن الخلل في التكوين الأدبي للطالب والشاب الأردني في المدارس والجامعات يمثل أحد المؤشرات المهمة على حقيقة الحالة المتردية للوضع الشبابي على العموم، لأن الطالب الذي لم يتذوق الشعر ولا يتمتع بذائقة أدبية، ولا يطرب للمعنى الجميل، ولا يدرك دلالات اللفظ ولا يكاد يحس بجماليات اللغة، فهو بعيد عن امتلاك القدرة على تمثل قيم الفروسية التي تمثل جوهر القوام الإنساني.
ومن هنا ندرك كيف اهتدى أجدادنا العرب لوضع درر قصائد العرب على جدران الكعبة، ومن هنا أطلق عليها وصف المعلقات، وجاء النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وجاء الاسلام ليبني على هذا القوام الإنساني الرفيع، ويكمل مكارم الأخلاق، ويشيد بأقوال هؤلاء الحكماء، وبعضهم كان يقارب أقوال الأنبياء، وورد عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أنه أحب شعر عنترة، وتمنى لو كان لقيه، كما أثنى على كرم حاتم الطائي، وأكرم ابنته سفانة لكرم أبيها.
وزير التربية أمام مهمة صعبة وشاقة في مشوار الإصلاح التربوي والتعليمي الذي يراد منه إعادة بناء الانسان الأردني وإعادة تشكيله، عقلاً ووجداناً ونفساً وروحاً وبدناً، مما يؤشر إلى ضرورة إعادة التكوين الأدبي إلى جانب التكوين العلمي، والنفسي والروحي، وهذه مهمة المجتمع كله بكل مؤسساته، ومهمة القوى السياسية والاجتماعية، ومهمة الجامعات والمعاهد العلمية المختلفة، مما يؤدي بنا إلى القول أننا بحاجة إلى ثورة في المناهج، ثورة بكل معنى الكلمة لكنها ثورة قائمة على أسس علمية، ودراسات ومؤتمرات وندوات وورش عمل، يشترك فيها كل أصحاب الفكر وأصحاب المسؤولية والقرار، وحَملة الهم العام، بروح ايجابية بناءة، تفيض بالطموح المشروع، والأمل الفسيح، والرغبة في التعاون والمشاركة والبذل لدى كل مواطن غيور، امتثالاً لقول الشاعر العربي:
اذا القوم قالوا من فتى؟خلت انني
عنيت، فلم اكسل ولـم اتــبـلـد

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)