الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، أما بعد،
فلعل هذا السؤال من الأسئلة التي تُتداول في رمضان، وهو سؤال ينبئ -ولا شك- عن رغبة أصحابه في الوصول للأفضل في هذا الباب.
والجواب يتنازعه جانبان:
الجانب الأوّل: الرغبة في زيادة الحسنات بكثرة الختمات للقرآن.
والجانب الثاني: الرغبة في إدراك مقاصد القرآن ومعانيه الموصلة لصلاح القلب والنفس لمن يرى أنّ التدبر أولى.
ولعلي أدلي بدلوي في هذا الشأن، فأقول مستعينًا بالله:
أولاً: لا بد من التنويه والإشارة إلى استحباب ترغيب النفس وتوجيه جمهور الأمّة إلى التفرّغ -قدر المستطاع- للقرآن الكريم في شهررمضان، وجعْل غالب الوقت له.
وأمّا أي السبيلين أولى أهو كثرة التلاوة أم التدبّر؟
فالجواب -والله أعلم-: أنّ من نظر وتأمّل في هدي السلف في رمضان -وهم أسبق النّاس لكل خير- يجدهم قد انصرفوا لكثرة التلاوة، ومنثم ظفروا بأجر كثرة الختمات وثوابها، وهديهم معروف في هذا الباب، وقد انتشر العلم به بين أفراد الأمّة، مع اليقين بعنايتهم بقضية التأمّلوالانتفاع بالآيات.
ثانيًا: معلومٌ أنّ الخطاب في هذا الشأن موجّه -في الغالب- لعامّة النّاس.
ولا شك أنّ المطلوب من هؤلاء هو فهم المعنى العام للآيات، وهو أمر إدراكه ميسر لوضوح معاني أغلب آيات القرآن، ومن ثمّ فيمكن للتاليمنهم الوقوف عند بعض الآيات التي أثّرت فيه ليكررها ويتأملها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُكرر الآية لينتفع بها قلبُه، وعلى هديهسار من سلكوا هذا الطريق النافع للقلوب.
ثالثًا: لا شك أنّ كثرة التلاوة لها الأثر الكبير في صلاح النفس، فمن ذلك:
معرفة أسماء الله وأوصافه وأفعاله المليء بها كتاب الله ممّا يُثمر في النفس تعظيمه -جلّ وعلا-ومحبته وخشيته والطمع بفضله.
ومن آثار كثرة التلاوة: معرفة أوصاف الجنّة والنّار، والطريق الموصل لكل دار، ما يُثمر الرغبة في الجنّة وسلوك طريقها، والخوف والحذرمن النّار والابتعاد عن سبيلها.
ومن آثار كثرة التلاوة: معرفة حقيقة الدنيا والآخرة، فيُثمر ذلك تعلّق القلب في الآخرة، والزهد في الدنيا.
ومن آثار كثرة التلاوة: التعرّف على قصص الأنبياء، والوقوف على مافي قصصهم من عِبر وعِظات، ومعرفة عواقب شأنهم مع أممهمبنجاتهم وهلاك الظالمين، وقد شغلت هذه القصص حيزًا كبيرًا من آيات القرآن…
وآثار كثرة التلاوة لا تُحصى.
فتحفيز النّاس على كثرة القراءة لنيل هذه الثمرات وغيرها -والذي يجمعها: زيادة الإيمان وصلاح حال صاحبها- أمرٌ من الأهمية بمكان.
ومن المصالح في هذا الشأن: أنّ جمهور المسلمين عندهم إقبال واضح على تلاوة القرآن في رمضان، فتزهيدهم بهذا وإلزامهم بالتدبّروالغوص في دقائق المعاني للآيات -الذي لا يستطيعه أكثرهم- ربما كان صادًّا لهم عن المصلحة الكبرى من كثرة التلاوة والتي جاء الحثّعليها بنصوص الوحيين، مع الأخذ بالاعتبار إمكانية الجمع بين كثرة التلاوة والتدبّر العام بالطريقة السالفة الذكر لسيره ويسره ونفعه بإذنالله.
ومن المصالح المهمة لكثرة التلاوة تعويد النفس على ذلك، فالملحوظ أنّ من كان يتلو القرآن كثيرًا في رمضان ستسهل عليه هذه العبادة،وسيدوم اتصاله به طوال أيّام العام، فينتفع بذلك بحلول الطمأنينة في حياته، والفوز بثواب التلاوة بعد مماته.
فنخلص إلى أنّ كثرة القراءة والختمات هي الأولى في هذا الموسم، مع عدم إغفال التدبّر لبعض المواضع المؤثرة عند التلاوة.
هذا ما تيسر كتابته في هذا الشأن، فإن أصبتُ فمن الله، وإن أخطأتُ فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله.
كتبه/ عادل بن عبدالعزيز الجُهني.
السادس عشر من شهر رمضان لعام ثلاثة وأربعين وأربع مئة وألف.
موقع صيد الفوائد
اضف تعليقك