TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
نزاهة القضاء الأردني
21/03/2015 - 2:15am

طلبة نيوز-الأستاذ الدكتور أنيس الخصاونة
تشكل السلطة القضائية بكوادرها ومحاكمها وقضاتها قطب الرحى في أي نظام سياسي حيث تحكم هذه السلطة في شتى النزاعات التي تنشأ بين الأفراد والمؤسسات حكومية كانت أم خاصة.إنها السلطة التي تجعل المواطنين آمنين على حقوقهم وأعراضهم وممتلكاتهم ...إنها السلطة التي تحمي الناس من تعسف الناس وتنمرهم واستبدادهم ...إنها السلطة التي تنظر بالقرارات الجائرة وتبطلها وتعيد الحقوق لأصحابها...إنها السلطة التي تحتكم إليها باقي السلطات السياسية في النظام السياسي عند الاختلاف على الصلاحيات وتفسير القوانين والدستور الذي يمثل أبا القوانين جميعها... إنها السلطة التي تجذب المستثمرين الداخليين والخارجيين ليستثمروا رؤوس أموالهم في الأردن مما يعود على البلد بالخير العميم.
كم راودتني أسئلة عن مدى نزاهة القضاء الأردني وعدم تأثره بالاتجاهات والضغوطات السياسية والاجتماعية .نعم القضاء ينبغي أن يكون نزيها وغير منحازا إلا للحق فهل قضائنا كذلك ؟وهل قضاتنا يتم اختيارهم على أسس تراعي تاريخهم وسلوكياتهم وحصافتهم؟ وهل السلطة القضائية سلطة مستقلة؟نسمع أن اختيار القضاة في كثر من الدول الديمقراطية الحية يتم بتمحيص شديد لسيرة الشخص، ويتم العودة لسجلاته المدرسية والجامعية والمخالفات التي اقترفها ونوعيتها ،والعقوبات التي أوقعت بحقه إضافة إلى كفاءته القانونية مما يجعل عملية اختيار القاضي من أصعب وأدق العمليات التي تقوم بها إدارة السلطة القضائية في البلدان المتحضرة.
نلتقي بعض القضاة في المجالس والاجتماعات والمناسبات العامة ونستمع لبعضهم وهو يتحدث في بعض الشؤون العامة أو الخاصة ونستغرب من طروحاتهم ،وأسلوب تفكيرهم ،وتحليلهم إذ نلحظ أن تصرفاتهم لا تختلف عن تصرفات بعض الموظفين البيروقراطيين كتبة أو فنيين وتراهم يخوضون فيما لا يعرفون ،ويتخذون مواقف أقل ما يقال فيها أنها متحيزة وسطحية ولا ترقى إلى تصرفات قضاة يحكمون بين الناس فيما اختلفوا فيه. فهمي الشخصي لمواصفات القاضي أنه نزيه في كل شيء، ولا يتكلم إلا فيما يعرف، ولا يفتي إلا فيما هو مؤهل فيه ،كما أن سلوكيات وتصرفات القضاة الخاصة وارتيادهم لأماكن وتجمعات معينة ينبغي أن لا تسيء لهيبتهم العامة . ويتساءل بعض الأردنيين عن موقف القضاء من قضية وليد الكردي الذي يسرح ويمرح رغم الأحكاام القضائية وكيف لو كان الاختلاس قد تم من قبل مواطن أردني ثاني لا يرتبط بعلاقات مصاهرة مع الأسرة الحاكمة؟القضاة والمعلمون هم أهم مقومات المجتمع وقد سأل أحد القادة الانجليز بعد الحرب العالمية التي أتت على عاصمة الامبرطورية البريطانية ودمرت بنيانها وقال هل المحاكم بخير وهل المدارس بخير وأجيب بالإيجاب فقال إذن نحن بخير وكل شيء سيعاد بناؤه.
اعتزازنا بقضائنا مهم ولكن ترديد مصطلح "قضائنا النزيه" بشكل مكرر وعلى "الطالع والنازل" لا يجعل من قضاء نزيها فعلا خصوصا بعدما رأينا كيف أن القضاة يسعون إلى العلاوات والمكافآت والحوافز من الدولة تماما مثلما يسعى إليها أي موظف آخر.القضاة مختلفون وينبغي أن يكونوا مختلفين عن بقية المجتمع لا ترفعا ولا كبرا ولكن في حسهم العالي للعدالة وبعد نظرهم وحصافتهم وسعة أفقهم وربما زهدهم وقناعتهم .تاريخنا العربي والإسلامي مليء بالأمثلة والحالات التي نصب قضاة رغما عنهم وخلع قضاة بسبب سلوكيات تنم عن ميل للكذب والخداع ليس فقط على الإنسان ولكن على الحيوان حتى.
الدولة الأردنية مطلوب منها أن تقف موقفا تقييمينا وتأمليا في وضع إدارة القضاء الأردني وتتحقق من كفاءته وأداءه وكفاءة من ينضمون للأسرة القضائية قضاة أو مدعين عامين أو إداريين ولا نعتقد بأن قيام الحكومة بالإغداق المفرط والمتكرر في الامتيازات الجمركية والمكافآت والحوافز يصنع قضاء نزيها.من جانب آخر ينبغي أن تراجع الدولة الأردنية بعض ظواهر الترهل في الجوانب الإدارية والتأخير في إنجاز القضايا ويكفي القول هنا عن تأخير النظر ببعض القضايا لمدة سنتين والحجة هو عدم ورود الملف من المستودع في المحكمة والذي يبعد أمتار عن قاعة المحكمة؟ أيضا فإن دورا النائب العام ومن يتبعه من المدعين العامين وخصوصا أولئك المدعين العامين الذي يحضرون في محكمة الجنح دون اصطحاب ملفات القضايا ودون جاهزية للدفاع عن حق المجتمع ومصالحه حيث أن حضورهم على ما يبدوا شكلي ويأتي تطبيقا للقانون ولا يؤدي إلى تحقيق مقاصد المشرع.
القضاء الأردني له تاريخ مشرف وسجل مفتخر في كثير من القضايا التي انحاز فيها القضاة للحق بغض النظر كان هذا الحق إلى جانب الحكومة أو الأفراد أو المؤسسات.لم يكن القضاة في الماضي يتقاضون رواتب فلكية ولا امتيازات جمركية ولا إعفاءات ولا علاوات ومع ذلك كان قضائهم وأحكامهم وإبداعاتهم صفحة ناصعة وسوابق قضائية ما زال يرجع لها بعض القضاة.
أخير فإننا نشعر بأن محكمة أمن الدولة لا تنسجم في أدائها ومقاصدها وآلياتها مع مقاصد القضاء المدني المحلي والعالمي ،حيث أن مرافعاتها وآليات عملها وإجراءاتها التي يغلب عليها الطابع العسكري والتراتبي لا تتيح محاكمات عادلة مما ينعكس سلبا على الحس والتقييم المجتمعي العام لعدالة القضاء الأردني.محكمة أمن الدولة نعتقد بأن وجودها فيه شبهة دستورية ويتناقض عملها وقضائها مع أهداف ورسالة القضاء الأردني وعليه فإننا ندعو إلى ضرورة التفكير بإلغائها أو قصر عملها على النظر بالقضايا العسكرية فقط.
نعتقد بأن الجسم القضائي بشكل عام ربما ما زال سليما ونزيها نسبيا ولم يتعرض لحجم العطب الذي تعرضت له أجهزة الدولة الأخرى ، ولكن هذا الجسم بالتأكيد يحتاج إلى حماية وتحصين ومراجعة لبعض الظواهر المتعلقة بالتأجيل والتأخير غير المبرر في إنجاز القضايا، وعدم كفاية تأهيل بعض القضاة ،ودراسة مدى فعالية التجربة الأردنية في القضاء النسوي، وعدم ملائمة سلوكيات بعض القضاة مع متطلبات العمل القضائي. القضاء ركيزة أساسية في بناء الدولة ومحور أساسي في خلق الانتماء للوطن والثقة في مؤسساته مما يستوجب من الدولة إيلاء مزيد من الاهتمام بالقضاء ليس عبر الحوافز والعلاوات والمكافآت المادية والإعفاءات الجمركية المتكررة فقط ولكن عبر مراجعة بنية الإدارة القضائية ومراجعة إجراءات التقاضي وعبر أسس انتقاء حصيفة وفعالة للقضاة ومتابعة أدائهم في أروقة المحاكم.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)