TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
نحو قيادة استراتيجية لإصلاح التعليم العام في الأردن: رؤية متوازنة للنهضة التربوية
27/04/2025 - 8:30pm

طلبة نيوز - ان قيادة التعليم العام في الأردن اليوم تواجه تحدياً مصيرياً، يتطلب منها الانتقال من إدارة الأزمات إلى صناعة المستقبل. فقد أصبح واضحاً أن التراجع في مستوى التعليم العام لم يعد مجرد مسألة فنية أو إدارية، بل قضية وطنية تمسّ الأمن الاجتماعي والاقتصادي، وتؤثر على قدرة الأردن على الحفاظ على تماسكه الداخلي ومكانته الإقليمية. من هذا المنطلق، فإن قيادة التعليم مطالبة بأن تتبنى رؤية شمولية، عقلانية، وواقعية، تعيد تعريف وظيفة التعليم العام كركيزة للتنمية المستدامة، وتضع أسساً جديدة لنهضة تربوية تراعي الإمكانيات المحدودة، وتبني على نقاط القوة المجتمعية والثقافية.

المرحلة الحالية لا تحتمل المزيد من الحلول الجزئية أو الاجتهادات الفردية. ما نحتاجه هو قيادة واضحة تعترف أولاً بحقيقة التحديات وتتحرك ضمن رؤية متكاملة توازن بين الطموح الوطني والقدرات المتوفرة. المطلوب ليس استيراد نماذج جاهزة من الخارج، بل استلهام التجارب الناجحة مع تكييفها لواقعنا الأردني، بما يحفظ هويتنا الثقافية ويعزز قدرة أبنائنا على التفاعل مع بيئتهم المحلية والإقليمية والعالمية.

إن إعادة بناء التعليم العام تبدأ من صياغة رؤية وطنية واضحة تستند إلى فلسفة تربوية تعبر عن أهداف الدولة في تشكيل شخصية الإنسان الأردني: إنسان قادر على التفكير، وعلى مواجهة تحديات العصر، وعلى الإسهام الفعّال في مجتمعه. هذه الفلسفة لا بد أن تضع نصب أعينها أولوية تطوير المهارات الأساسية، وبناء منظومة قيمية ترتكز على العدل، والانتماء، والعمل، والإبداع.

ومن موقع القيادة، فإن أولى خطوات الإصلاح هي إعادة ترتيب الأولويات. بدلاً من السعي وراء تقنيات تعليمية مكلفة لا يمكن تعميمها في المدى القريب، يجب التركيز على تحسين نوعية التعليم الأساسي، وضمان جودة التعليم في المراحل المبكرة، حيث تتشكل الملامح الأساسية لشخصية الطالب. التعليم النوعي يبدأ من بيئة صفية صحية، معلم مؤهل ومدعوم، ومحتوى تعليمي مرتبط بالحياة.

المعلم هو أساس أي إصلاح ناجح، ومن هنا ينبغي أن تكون قيادة التعليم مسؤولة عن رفع مكانة المعلم ليس فقط من خلال الدخل المناسب، بل عبر تهيئة بيئة مهنية تُمكّنه من التطوير المستمر، وتفتح له المجال للمشاركة في صنع القرار التربوي. الاستثمار في المعلم هو استثمار في مستقبل التعليم، وهذا يتطلب برامج إعداد قوية ومستمرة تعتمد على موارد محلية وخبرات فعلية داخل النظام.

وفي ظل التحديات الاقتصادية، فإن قيادة التعليم يجب أن تعتمد مبدأ الاستخدام الأمثل للموارد، بتوجيه الاستثمارات إلى المناطق والمجالات الأكثر احتياجاً وتأثيراً. تحسين التعليم في الأطراف والمناطق المهمشة ينبغي أن يكون أولوية وطنية، لأنه يعيد التوازن للفرص، ويعزز من عدالة النظام التربوي.

كما أن التعليم الرقمي، رغم أهميته، يجب أن يُعتمد عليه تدريجياً، ضمن خطط واقعية تضمن وصوله لمن يحتاجه فعلاً، ووفق بنية تحتية مدروسة، مع استخدام حلول منخفضة التكاليف، مثل المراكز المجتمعية الرقمية، بدلاً من فرض تقنيات متقدمة على نظام لم يُهيأ بعد لتبنيها بالكامل.

أما المناهج، فهي بحاجة إلى مراجعة شاملة، ليس فقط في محتواها، بل في طريقة صياغتها وأهدافها. المطلوب هو محتوى يعكس أولويات الوطن، ويربط الطالب بمجتمعه، ويشجعه على التفكير والتحليل، لا الحفظ والتلقين. كذلك، فإن أساليب التقييم يجب أن تُعاد صياغتها، بحيث تكون أداة لتطوير التعليم، لا مجرد وسيلة لتصنيف الطلبة.

من منظور القيادة، فإن الشراكة مع المجتمع والقطاع الخاص أمر حتمي. لا يمكن للنظام التعليمي أن ينهض دون انخراط المجتمع في دعمه، سواء عبر مبادرات تطوعية، أو من خلال تحفيز الاستثمار في التعليم. المدرسة يجب أن تتحول إلى مركز مجتمعي يعكس احتياجات بيئته المحلية، ويعمل على حل مشكلاتها، ضمن رؤية وطنية واحدة.

وأخيراً، فإن أي خطة للإصلاح يجب أن تُدار وفق أهداف محددة زمنياً، مع وجود مؤشرات واضحة لقياس الأداء، ومتابعة حثيثة من قبل قيادة التعليم لضمان التطبيق الفعلي. النجاح في هذه المهمة يعتمد على قدرة القيادة على بناء الثقة مع المعلمين، والطلبة، وأولياء الأمور، وعلى وضوح الرسالة بأن التعليم ليس مشروع وزارة فحسب، بل مشروع وطن بأكمله.

إن التحدي الأكبر أمام قيادة التعليم في الأردن ليس نقص الموارد، بل إدارة هذه الموارد بعقلانية وفعالية. النهضة التربوية الحقيقية تبدأ حين تتحمل القيادة مسؤوليتها الكاملة في إحداث التغيير، وتضع الإنسان الأردني – بعقله وكرامته – في قلب كل سياسة وكل قرار.
ا د هاني الضمور

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)