TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
نتنياهو وأوهام "النصر المُطلق"!
17/07/2024 - 1:45pm

طلبة نيوز - د. أحمد بطَّاح
عندما بدأ نتنياهو حربه الهمجية المدمّرة على قطاع غزة أعلن أنّ أهداف هذه الحرب هي: تحرير الرهائن (أو الأسرى)، والقضاء على حماس، وإنهاء أيّ خطر يمكن أن يأتي من القطاع مستقبلاً، وقد شفع ذلك بأنه يسعى إلى ما أسماه "النصر المُطلق"، كما زعم قبل معركة رفح الأخيرة أنه على بعد "خطوة واحدة" من تحقيق "النصر المُطلق"، وطلب من العالم ألّا يحول بينه وبين هذا النصر!
والآن وبعد مرور عشرة أشهر تقريباً على بدء هذه الحرب يبدو واضحاً أن نتنياهو كان يجري وراء سراب، فلا هو استطاع تحرير "الرهائن" (الأسرى) من أيدي المقاومة، ولا هو استطاع القضاء على حماس، ولا هو اطمأن إلى أن قطاع غزة سوف لن يشكّل خطراً مستقبلياً على إسرائيل، ولعلّنا لا نبالغ إذا قلنا بأنّ نتنياهو مُني بفشل ذريع (بغض النظر عن التدمير الهائل الذي ألحقه بالقطاع والجرائم الموصوفة التي ارتكبها ضد الفلسطينيين) ويمكن إرجاع هذه النتيجة إلى عدد من الأسباب والعوامل:
أولاً: الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني الذي ذاق وما يزال مرارة التهجير، والترويع، والتجويع، ولكنه ظلّ صامداً على أرضه، ورافضاً أن يغادرها كما كان يأمل نتنياهو وأركان حكومته اليمينية المتطرفة.
ثانياً: الصمود البطولي للمقاومة الفلسطينية التي أبدت أنماطاً من الشجاعة والإبداع في التخطيط، والتكيف مع ظروف المعركة، والاستبسال في ملاحقة العدو في جميع نقاط تواجده، والواقع أنه لم يتوقّع أحد أن تستطيع كتائب المقاومة الصمود أمام الجيش الإسرائيلي باستعداد قتالي مستمر، ومعنويات عالية كل هذا الوقت مع أنّ هذا الجيش مجهز بكل أنواع الأسلحة والتكنولوجيا ومدعوم أمريكياً بغير حدود.
ثالثاً: دور جبهات المساندة فقد كان دوراً مهماً في احباط جهود نتنياهو لتحقيق ما أسماهُ "النصر المُطلق" حيث أضطّر نتنياهو على الجبهة الشمالية أن يفرّغ قطاعات مهمة من جيشه لمواجهة المقاومة اللبنانية، وإلى أن يُجليَ أكثر من (80 ألفاً) من سكان الشمال الإسرائيلي، كما خسر اقتصادياً وشُلّت موانئه (وبالذات إيلات) بسبب الحصار البحري الذي مارسته الجبهة اليمنية على الملاحة الإسرائيلية، وبغض النظر عمّا يقال عن فعالية جبهات المساندة، وارتباطها "بأجندات" إقليمية فإنّ المراقب الموضوعي لا يستطيع إلّا أن يعترف بأهميتها.
رابعاً: موقف مصر والأردن الرافض قطعياً لتهجير الفلسطينيين من وطنهم (من غزة إلى سيناء، ومن الضفة الغربية إلى الأردن)، والموقف الدولي الرافض كذلك لهذا التهجير، الأمر الذي أحبط خطط نتنياهو الذي أحال قطاع غزة إلى أرض "غير صالحة للحياة" أملاً في أن يغادر الفلسطينيون أرضهم.
خامساً: ضغط الرأي العام الإسرائيلي الداخلي، فقد أمل الإسرائيليون في البداية أن يتمكن من نتنياهو من تحقيق ما أسماه "النصر المُطلق" والذي ينطوي حكماً على إطلاق سراح "الرهائن"، ولكن -مع مرور الوقت- بدأ الإسرائيليون يدركون أن هذا غير ممكن، وأن لا أمل لهم في إطلاق "رهائنهم" سوى عقد صفقة معقولة مع حماس، والواقع أن ضغوط أهالي "الرهائن" بدأت تتصاعد، وبدأ الاحتجاج الشعبي على حكومة نتنياهو يزداد ويتجاوز المطالبة بإطلاق سراح "الرهائن" إلى الدعوة إلى تنظيم انتخابات مبكرة مما قد يعني في المُحصّلة إسقاط حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة بل وإحالته إلى لجان التحقيق في التقصير الفاضح الذي رافق السابع من أكتوبر، فضلاً عن المحاكمات التي تنتظره بسبب اتهامه بالغش وسوء الأمانة وغيرها من التُهم الخطيرة.
سادساً: تطور الموقف الأمريكي، فقد بدأ هذا الموقف بدعم غير مسبوق لإسرائيل: عسكرياً، واقتصادياً، وسياسياً، ولكن مع استمرار المعركة وعدم رؤية أيّ ضوء في نهاية النفق، ومع اقتراب الاستحقاق الانتخابي الرئاسي الأمريكي في 24/11/2024، ومع ارتفاع حدة النقد الواسع لدعم الولايات المتحدة لإسرائيل (وبالذات استقالة عدد غير قليل من المسؤولين الأمريكيين، والحراك الطلابي في أعرق الجامعات الأمريكية) بدأت الإدارة الأمريكية تدرك أنّ عليها أن تنهي هذه الحرب المجنونة وإلّا فإنها سوف تخسر صورتها أمام العالم ولن يستمر بايدن رئيساً لأربع سنوات أخرى.
إنّ عدم تمكن نتنياهو من تحقيق ما أسماه "النصر المُطلق" أصبح حقيقة واقعة تعترف به شريحة واسعة من "النخبة" الإسرائيلية الحاكمة، ومن الرأي العام الإسرائيلي، بل ومن الجهات الأمنية الرئيسية (الجيش، الشباك، الموساد…)، ولذا فإنه ليس أمام نتنياهو إلّا أن يقبل بصفقة تُبقي له شيئاً من ماء الوجه من خلال استعادة "الرهائن" وإرضاء أُسرهم والمتعاطفين معهم من الإسرائيليين، أو أن ينتظر تعاظم المد الشعبي الإسرائيلي ضدّه وصولاً إلى القبول بفكرة تنظيم انتخابات إسرائيلية مبكرة تُفرز قيادة جديدة، والواقع أنّ هذين البديلين أمران أحلاهما مرّ بالنسبة لنتنياهو، فالأحلام ما زالت تداعبه لتحقيق ما أسماه منذ البداية "بالنصر المُطلق".

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)