TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
ناصرِ الدين الأسد؛ فارسِ العربيّة في الذكرى الأولى لرحيله أ.د. محمد أحمد القضاة
04/05/2016 - 7:30am

طلبة نيوز-  أيُّها  الجارُ  الوَفِيُّ  الجميل، أَيا  مَنْ حَفَرْتَ فِي القلوبِ حُبًّا وَعِلمًا  وَكَرَمًا  وَحُسْنَ  خُلُق، كمْ  يَعِزُّ عَليَّ فِراقُكَ، وأنتَ  الاُستاذُ والقُدْوَةُ، الجليلُ في  وَقارِك، الكبيرُ  في  عَطائك، العالمُ في  مِحْرابِك، الرَّجلُ في  مَواقِفك، البصيرُ في  نَظْرَتِك، كمْ  يَعِزُّ عَليَّ فِراقُكَ  وأنتَ  البَهِيُّ وأنتَ  النَّقِيُّ وأنتَ  الأبِيّ..

أبا بِشْرٍ: لنْ أنساكَ ما حَييتُ، وأنتَ  تُطِلُّ  عَلَيَّ  كُلّما جِئْتَ  مَكْتَبَكَ  بِهَيبَتِكَ الباذِخَةِ، مُسَلِّمًا بِحُنْوِ الأبِ، ولنْ  أنساكَ  لمّا أبَيْتَ  إلا  أنْ  تُوَزِّعَ بِنَفْسِكَ  على أساتذةِ  قسمِ اللغةِ العربيّةِ  رِقاعَ  الدَّعوةِ  إلى  تناوُلِ  الغَداء  في مَطاعمِ  الجامعةِ  الأردنيّةِ  احْتِفاءً  بِتَرْقيتي  إلى رُتبةِ الأستاذية، ولنْ أنسى  ما ظَلَّ  فِيَّ  عِرْقٌ  يَنْبِضُ  يَوْمَ  كَرَّمَتْكَ جامعةُ الأميرةِ  سميّةَ  للتكنولوجيا اعترافًا منها بأنَّ مَشْهَدَ الوفاءَ للعلماءِ والأصفياء، في زمنٍ  عَزَّ  فيهِ  الوفاءُ، يجبُ  ألا يغيبَ عنْ  مؤسّساتِنا  وجامعاتِنا؛ خاصّةً إذا اتّصَلَ بعالِمٍ  جليلٍ  تتجسَّدُ فيهِ كلُّ  معاني السُّمُوِّ  والرُّقِيِّ  العِلميِّ  والخُلُقيّ، كما  يتمثَّلُ  فيهِ أيضًا بُعْدُ  النَّظرِ وَحُسْنُ  التَّصَرُّفِ وَعُذوبةُ القول،  عالِمٍ أسْهَمَ على نحوٍ  جَلِيٍّ  في  بناءِ صُروحِ العلمِ والمعرفة. وعليه، فما هذا  التكريمُ إلا صورةً صادقةً لهذهِ  النَّفْسِ  الشامخةِ  في آمالِها وطموحاتِها، ولهذهِ الرّوحِ بكلِّ  ما تَتَّصِفُ بهِ مِنْ صِدقٍ وشفافيةٍ ووفاء، ولهذا الأثرِ الذي لنْ يَمَّحي مهما تباعدَتِ المسافاتُ وتقادَمَتِ الأزمان. عَوْدًا على بِدء، واسْتِحْضارًا للحظةِ تكريمِ أستاذِنا حينئذٍ، فإنني لن أنسى قولي لمّا قَدَمْتُهُ: " وَلَمّا كانَ هذا المَقامُ مَقامًا عِلميًّا، وكانَ مجلسًا تَحُفُّهُ الملائكةُ، فإنهُ لا بُدَّ  مِنْ  أنْ يكونَ للعِلْمِ فيهِ نصيبُ الأسد، وخيرُ مَنْ يُدلي بدلوهِ في هذا البابِ أسدُ هذا الحفل، ناصرُ الدينِ الأسد، الذي إنْ كانَ مُكَرَّمًا في جانبٍ، فسيكونُ فِي الدقائقِ اللاحقةِ  مُكَرِّمًا  لنا جميعًا في جوانبَ عدّةٍ؛ علميّةٍ  وأدبيّةٍ  وفكريّةٍ  وثقافيّة، تجري على لسانهِ جَرْيَ الماءِ العذبِ  الزُّلالِ  في القناة".

نَعمْ، هذا أبو بِشْرٍ، الذي يُعَمِّرُ القلوب، وَيُنَوِّرُ الدُّروب، هذا أبو بِشْرٍ الموسوعيُّ، الذي أحَبَّ العربيّة وأبى إلا أنْ يَحْتَسِيَ كأسَها حتّى الثَّمالة، هذا أبو بِشْرٍ الذي لا تنسى فضائلُهُ، ولا تَمَّحي مَناقِبُهُ، هذا أبو بِشْرٍ الذي ملاَ الزّمانَ والمكانْ، وكانَ لهُ في سِجِلِّ العِزِّ والفَخارِ غيرَ عُنوانْ، هذا أبو بِشْرٍ صاحِبُ النَّفْسِ الساميةِ التي ما ارتَضَتْ إلا الذُّرى موطنًا، وصاحِبُ القَلَمِ الذي لمْ يَحِدْ عنْ الصّواب، وصاحِبُ النَّهْجِ القَويمِ والفِكرِ السَّليم، حتّى إنَّ ديوانَهُ "هَمْسٌ وَبَوْح" كانَ صورةً صادقةً لهذهِ النَّفْس. إنَّ الوفاءَ دَيْدَنُ الأصفياءِ وَعادةُ الأنقياءِ وَنَهْجُ الأصدقاء في زمنٍ عَزَّ فيهِ الصَّديقُ وقَلَّ الرّفيق، زَمَنٍ لا يُقالُ فيهِ إلا كما قالَ أبو الطيّبِ المُتنبي: غـــاضَ الـوَفـاءُ فَــمـــا تَــلْقــــاهُ فــي عِـــــدَةٍ وَأعْوَزَ الصِّدْقُ فِي الإخْبارِ وَالقَسَمِ وكما قالَ الطَّغْرائيُّ في لامِيَّةِ العَجَم: غاضَ الوَفاءُ وَفاضَ الغَدْرُ وَانْفَرَجَتْ مَسافَةُ الخُلْـفِ بينَ القَـوْلِ وَالعَمَـلِ ولمّا كانَ المكانُ حِضْنًا تأوي إليهِ الذِّكرياتُ والأحلامُ والآمال، فإنَّكَ تَجِدُّ في الأردنيّةَ غيرَ مكانٍ ارتَسَمَ فيهِ إمّا قولٌ لشيخِنا الأسدِ أو فِعل، حتّى إنْ تَرَجَّلَ فإنَّ صَهيلَ حُروفِهِ ما زالَ يَمْلأُ الفضاءَ، ولمْ تَبْرَحْ مواقفُ رُجولَتِهِ وشَرَفِهِ وعِلْمِهِ ومَعرِفَتِهِ وجَدَلِهِ وحِوارِهِ وبيانِهِ شاهدةً عليه، لم تَتَرَدَّدْ لحظةً في الإشارةِ إليه. وممّا يؤكّد هذه المعاني التي سَلَفَتْ، إحساسي بها لمّا أفتح باب مكتبي في ما مضى مِنْ زمان؛ لأرى شيخيَ وأستاذيَ الدكتور ناصرَ الدينِ الأسد قُبالتي في مكتبه وقد تجَسَّدَتْ فيهِ معاني الرّقيِّ كلُّها، فما أجملَهُ حينئذٍ مِنْ صباح، وما أبهاهُ مِنْ لقاء!.

 اعْلَمْ أنَّكَ سَتَظَلُّ حاضرًا في الزَّمانِ والمكانِ حتى إنْ غابَ الجَسد، وسيبقى نبعُ فكرِكَ مِعطاءً، كما ستحافظُ سيرَتُكَ العَطِرُةُ على نَقائِها وَصَفائِها، تلكَ السيرَةُ التي تَرَكَتْ بصماتِها في غيرِ مكانٍ وزمان، فهذا ديوانُكُ الموسومُ بـِ "همس وبوح"، ما إنْ أطالعُهُ حتى تتكشَّفَ لي فيهِ أسرارُ قلبِكَ وآفاقُ  نُبْلِكَ  وذكرياتُكَ  ورومنسيَّتُكَ  المُشِعَّةُ  وَمُداعَباتُكَ  لأصدقائِكَ  وأوفيائِك، حتى إنَّكَ  ضَمَّنْتَهُ ما اعتصرَ  قلبَكَ مِنْ  مشاهدِ الحياةِ والهوى والأحلامِ اللذيذةِ  وَهُتافِ الشّباب، مُمْسِكًا فيهِ  شِغافَ القلبِ  بقوافيكَ  وَهَمْسِكَ  وَبَوْحِكَ  وَنَفْسِكَ  التوّاقةِ  إلى الفرحِ الجميل، وَمُتَوَقِّفًا  فيهِ أيضًا على  حُبِّكَ  وَعِشْقِكَ  للجامعةِ الأردنيّة،  مُرَدِّدًا:

قَسَمْتُـكَ فـي مُهْـجَتـي قِسْمَـــةً فأنتَ أنا، مـا لنـــا فاصِلُ

عَشِقْتُـكَ مُـذْ أنتَ غَيْبٌ خَفِـــيٌّ وفي خاطِري حُلُـمٌ خائلُ

سَهِرْتُ الليالي أناجي الدُّجى وليسَ سِواكَ هوًى شاغِـلُ

وَهَبْتُــــكَ أغـلـى سِنِـــيِّ الهَــــــوى وَمـــا لا يَجــــودُ بِــــِه بـــــــاذِلُ

وبعدُ، فللهِ دَرُّكَ  يأ أبا بِشْرٍ؛ إنسانًا وفيًّا، وصديقًا صَدوقًا، وباحثًا متميّزًا، وخطيبًا مُصْقِعًا، وعالمًا مترفِّعًا عنِ الأحقاد والدَّنايا. أيا سَيِّدَ الحَرْفِ، ستبقى شيخَنا الذي سنظلُّ نقتاتُ على فُتاتِ علمِكَ ما حيينا، وسيبقى أثرُ علمِكَ الثَّرِّ وخُلُقِكَ الطيّبِ فينا بقاءَ الرّوحِ فِي الجسدِ. فلكَ منّا شيخَنا وأستاذَنا وقدوتَنا ومعلّمنَا كلُّ الحُبِّ والاعترافِ بِفَضْلِكَ والإقرارِ بحقِّكَ في أنْ تُبَرَّ.

mohamadq2002@yahoo.com

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)