TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
من أين خرجت داعش ..؟!
08/07/2014 - 2:45am

طلبة نيوز-حسين الرواشدة

قبل أن ننشغل بالتسريبات و التحليلات التي تتناول ما فعلته داعش في ميادين المعارك، أو بما يمكن ان تحققه  من انتصارات في المدى المنظور، أو بالخرائط التي اشهرتها لإقامة ( دولتها) وتنصيب ( خليفة) للمسلمين، لابد ان نطرح السؤال التالي وهو : من أين خرجت داعش؟ و الاجابة هنا مهمة لسببين : احدهما أنها ترشدنا الى التربة الحقيقية التي سمحت لهذا التنظيم، بأفكاره و اشخاصه، بالبروز و الانتشار و التمكين، ومعرفة طبيعة  التربة الحاضنة مسألة مهمة ايضا للحكم على مستقبل ( الفكرة) وتحديد طريقة التعامل معها، أما السبب الآخر فهو ان مثل هذه الحفريات في ( المنبت) و الجذور تضعنا أمام حقيقة ( الخطر) الذي يداهمنا  ،وتكشف لنا عن مدى قدرته على الانتشار و التمدد و الوصول الينا ،سواء على صعيد التهديد الامني أو التهديد الاجتماعي او الفكري- وهو الأخطر- على المدى البعيد.
من حيث الولادة تبدو الاجابة على السؤال معروفة، فقد ولد التنظيم من رحم ( القاعدة) قبل عشر سنوات (2004) وأعلن آنذاك ابو مصعب الزرقاوي ان ( التوحيد و الجهاد) احد أذرعة ابن لادن في المشرق العربي ( العراق)، ومنذ ذلك الوقت شهد التنظيم تحولات عديدة، بدأت بمقاومة الاحتلال الامريكي للعراق، ثم بمواجهة الميليشيات الشيعية وصولا الى الانخراط في الحرب السورية، أما من حيث ( الفكرة) فهي معروفة ايضا واطارها العام  ( الجهاد) لتطبيق الشريعة واقامة الدولة الاسلامية، وهو - هنا- لا يفرق بين العدو القريب و الآخر البعيد، فكل من لا يؤمن بفكرته يستهدفه بالقتل، سواء أكان من المسلمين أو من غيرهم، و التنظيم بالتالي ليس مجهولا ، فأسماء قياداته معروفة،، واعداده تتكون من عدة آلاف، كما ان تحالفاته معلنة، سواء في العراق أو في سوريا، أما الانتساب اليه فمفتوح وقد ضم مختلف الجنسيات من كافة انحاء العالم .
هوية ( داعش) لا تكفي وحدها للاجابة على السؤال ( التربة) التي خرج منها، وعلى هذا الصعيد ثمة رؤيتان احداهما تقوم على منطق ( المؤامرة)، حيث يعتقد البعض ان ( داعش) واخواتها ( صناعة) استخباراتية غربية احتضنتها الانظمة التي استفادت من وجودها في مشهد الصراع، حيث المقارنة هنا بين السيئ و الاسوأ  يصب في مصلحة الانظمة نظرا للصورة البشعة التي تغذيها وسائل الاعلام عن ممارسات هذه التنظيمات، خاصة في مجال تطبيق الشريعة، وقتل المدنيين، ورفض الاعتراف بغير المسلمين، وعليه فإن التربة التي خرجت منها وفق هذا التصور تبدو ( مشبوهة) وتصب في مصلحة من تولى صناعتها و رعايتها وتوظيفها و دعمها رغم انه يعتبرها خطرا يتوجب مواجهته، أما الرؤية الاخرى فيعتقد أصحابها ان داعش و غيرها من التنظيمات المتطرفة ولادة طبيعية خرجت من رحم تاريخ مثقل بالهزائم و الانكسارات، وواقع نزدحم بصور الفساد و الاستعباد، وهي بالتالي تمثل ردة فعل غير مفاجئة لحالة ( اليأس) و القمع التي دفعت هؤلاء الى افراز ( اسوأ) حد من التطرف و التشدد لمواجهة انسدادات السياسية الوطنية، وانتهاكات الآخر وممارساته ضد الاسلام و المسلمين.
اذن، داعش وكل تنظيمات ( الاسلام الملسح) كانت ( ولادة) طبيعية لظروف سياسية واجتماعية واقتصادية لها علاقة بإطارين احدهما وطني وآخر دولي ، لكنها لم تكن ابدا ( ولادة) اسلامية، الا اذا اعتبرنا انتسابها للاسلام جاء في ( مرحلة) حرجة تمر بها امتنا في اسوأ حالاتها، وبالتالي فهي تنسب (للاسلام) المجروح والمظلوم وربما التدين المختل عقليا، أو لاسلام افرز منه بعض المحسوبين عليه اسوأ ما فيهم واسوأ ما فهموه منه ،كما انها اذ تنسب للذات العربية فان هذه الذات ايضا عانت من الانكسارات والهزائم والجراحات وبالتالي فانه تبحث عن البديل - اي بديل - لرد الاهانة عنها واعادة “وهم” الامل اليها.
اذن ،هؤلاء الذين تقمصوا صورة الاسلام ولبسوا عباءة الخلافة ، وعبروا عن “  مكبوتات  تراكمت في “الذات “ العربية المسلمة ولم تجد من يصرفها في قنوات صحيحة وحضارية ،هؤلاء مهما اختلفت ( جغرافيا) خروجهم سواء من دولنا التي استثمرت كل طاقاتها في انتاج  الظلم و المظلومين، و التطرف و المتطرفين ، او من الدول الاخرى التي تغذت على منطق ( الخوف من الاسلام) واعملت سكاكينها في جسد عالمنا الاسلامي ذبحا و سرقة  وعدوانا، خرجوا من دائرة واحدة وهي الانتقام من  التاريخ والحاضر  ،والاصرار على تدمير الذات والاخر، ولاشيء بيدهم سوى ( القتل)  فهو اسهل طريقة ( للتغيير) واسرع وسيلة للرد.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)