TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
مفاوضات القاهرة وحوار الطرشان
13/08/2014 - 9:15pm

طلبه نيوز
الدكتور: شفيق علقم
تجري هذه الايام في القاهرة مفاوضات غير مباشرة بين طرفين انهكهما القتال الشرس مدة شهر كامل، مع البون الشاسع في العدة والعتاد والسلاح والتسليح لصالح اسرائيل طبعا ، ومع ذلك فان المقاومة الشرسة والعنيفة والعتيدة في الميدان قد ارغمت الطرف الاقوى في السلاح والتسليح(اسرائيل) على طلب وقف اطلاق النار، والذهاب الى القاهرة تجر اذيال خيبتها طلبا للتهدئة ووقف القتال.
واثناء المفاوضات، فقد عرفت اسرائيل هذه المرة ان المفاوضات ليست هي مفاوضات الامس مع السلطة الفلسطينية ،حينما كانت الاقوى تملي شروطها ورغباتها على الطرف الآخر الضعيف ؛ فاما الان فلا المفاوضون هم مفاوضو الامس، ولا الاجواء هي اجواء الامس (اجواء املاء الشروط والاستجابة) ،فمفاوضو المقاومة اليوم يختلفون تماما بنوعيتهم وصلابتهم ، اذ لديهم عقيدة قتالية جهادية مصممة وثابتة ، لا يعرفون الخوف والاستسلام ولا الكلل او الملل ، فالثبات والاقدام عادتهم، والنكوص والرضوخ والاستسلام عدوهم ،خبروا اسرائيل وعرفوا حقيقتها في الميدان، وها هم الان يواجهونها في المفاوضات ندا بند ، بارادة صلبة لا تلين لهم قناة ، فقد ذهب زمن الخنوع والخضوع واملاء الشروط من مركز القوة ، هؤلاء الرجال هم رجال غزة ،كلهم عزيمة متقدة وعزة وكرامة، يملا قلوبهم ايمان بعدالة قضيتهم، يرفضون كل انواع المساومة والمواربة ، لانهم ذاقوا مرارة القضية وخبروا العدو جيدا ،ولانهم من غزة عاصمة الرجولة والشرف والكرامة ،وكعبة الشهداء والمجاهدين والمناضلين ،وحصن المقاومة المنيع .هذا هو وفد المقاومة ،ذهب الى القاهرة مرفوع الراس ، بورقة عمل تتضمن رفع الحصار المرفوض اصلا ، رفعا كاملا بكل وجوهه ومعانيه ، برا وبحرا وجوا عن غزة ( والذي فرض اثر اسر الجندي الصهيوني شاليط عام 2006 وتحرر شاليط ،ولكن الحصار الظالم بقي حصارا خانقا ) رفع الحصار واعادة اعمار القطاع ورفض فكرة نزع سلاح الفصائل الفلسطينية رفضا قطعيا ومن جذورها ،هو ما حمله المفاوضون الفلسطينيون ، وقد ظهر وفد المقاومة موحدا مرفوع الراس ،ثابت الراي والعزيمة ،يحمل في قلبه الاف الشهداء والمصابين والدمار والخراب والتشريد التي جاءت به آلة الحرب الاسرائيلية ، ظهر ثابت العزم قوي الارادة التي لا تلين، لا تباين ولا مراوغة في مواقفه ،رغم ما حاولت اسرائيل به من التشكيك في مواقفه!!
رفع الحصار الظالم يتبعه وفق رؤيا وفد المقاومة ومطالبه حرية الحركة بين القطاع والضفة الغربية ،وتشغيل المعابر كلها ،وحرية تنقل الافراد والبضائع ،وتوسيع مساحة رقعة الصيد البحري الى 12 ميل على الاقل ،والافراج عن الاسرى ،والغاء المنطقة العازلة ،واعادة بناء المطار والميناء ، اي اعادة الامور الى ماكانت عليه قبيل عام 2006.ويرفض وفد المقاومة الفلسطيني التهدئة رفضا قاطعا دون انهاء حالة الحصار كلية، ويهدد بالعودة الى المواجهة في الميدان.
اما الوفد الاسرائيلي فهو لا زال يتمسك باسلوب المناورة والخداع والمراوغة ، لتضييع الوقت وتمييع المواقف كعادته ،ويبدي تعنتا واصرارا على تجزئة الحلول وفضفضتها وتذييلها ، فيطرح فكرة رفع الحصار بشكل جزئي، مرحليا وعلى فترات ، وتخفيفه تدريجيا ، وتنظيمه وليس رفعه كليا ،مع التخلي عن فكرة نزع سلاح الفصائل الفلسطيينة، التي رفضها وفد المقاومة من جذورها !!كما يطرح وفد اسرائيل فكرة تاجيل قضايا بناء المطار والميناء واعادة تشغيلهما، بذريعة المخاوف من استخدامهما لنقل اسلحة ؛ او ان اسرائيل يمكن ان تقبل بناء ميناءين بري وبحري تحت الرقابة المشددة ،وقد يستغرق ذلك اربع سنوات ، علما بانها كانت وافقت في عهد الراحل عرفات على بناء الميناءين!! وبذلك لم يتم اتفاق على ذلك ،وطرحت فكرة اخذ موافقة مبدئية ،وتأجيل هذا الموضوع لانه يحتاج كما تزعم اسرائيل الى اتفاق سلام وليس لوقف اطلاق النار فحسب ، وانها ستوافق على زيادة منطقة الصيد البحري من ثلاثة اميال الى ستة اميال فقط ،مع ان الوفد الفلسطيني يطالب الزيادة الى 12 ميل على الاقل ، كما ستوافق اسرائيل على تحويل رواتب الحكومة في القطاع عن طريق تحويله الى طرف ثالث هو السلطة الفلسطينية ،كما توافق على ادخال مواد بناء؛ ولكن تحت رقابة مشددة ، وتوافق على مضاعفة عدد الشاحنات التي تدخل الى القطاع عن طريق معبر كرم ابو سالم لتصل الى 600 شاحنة يوميا، كما عرض الوفد الاسرائيلي صيغة تبادل اسرى، او الافراج عن 25 اسيرا فلسطينيا اعتقلوا في غزة اثناء الحرب الحالية ،واعادة 15 جثمانا فلسطينيا مقابل اعادة جثمانين اسرائيليين لدى حماس.
وهكذا فقد تولدت الشكوك واتسعت الهوة بين الطرفين، فلا تقارب ولا تفاهم ، لان المفاهيم بين الطرفين مختلفة ،وفي ظل تاكيد حماس عدم التنازل عن اي من مطالبها تحاول مصر اقناعها بايجاد صيغة توافقية مقبولة لانهاء الازمة ، ورغم التفاؤل بالوصول الى حلول لكل القضايا المطروحة الشائكة؛ فان المفاوضات لم تحقق او تحرز التقدم المطلوب ،فالخلافات عميقة متجذرة ،والحوارات صعبة وشائكة ،ولا تزال الفجوة واسعة رغم ما يشاع عن ان الخلافات انحصرت في آلية تنفيذ البنود التي تم الاتفاق عليها فقط ، مع استمرار وجود بعض القضايا العالقة مع الجانب الاسرائيلي، وقد ركزالطرفان على عدم التصعيد وضرورة التوصل الى اتفاق شامل لوقف اطلاق النار.
ولكن الحقيقة تكمن في صعوبة المفاوضات وتعنت الطرف الاسرائيلي، وصعوبة تخليه عن خلع قناع الثعلب والخداع الذي تعود عليه منذ زمن بعيد ،فاصبح جزءا من سلوكه ، وهكذا ضاعت الحقيقة ودخلت المفاوضات فيما يسمى بحوار الطرشان ،حيث ينتقل الحوار الى قشور القضايا المطروحة بعيدا عن لبها ، وهكذا فان الحوار عندما ينتقل الى قشور القضايا المطروحة والى افرازاتها دون النظر الى جوهرها وواقعها تكون قد دخلت في نفق مظلم ، تضيع معه حقيقة القضية ، فينظر كل طرف من الطرفين بمنظاره الخاص، ومن زاويته الشخصية الضيقة ،فلا يفهم الطرفان بعضهما بعضا ،فحينئذ لا يجدي الحوار ولا تفيد المفاوضات فتضيع لغة التواصل والاقناع، وهو ما يسمى بحوار الطرشان الذي وصلت اليه مفاوضات القاهرة وحواراتها ، وليس ذلك غريبا مع العدو الصهيوني.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)