هل ينتهي دور المسؤول في المناصب العليا بمجرد تعيين مسؤول آخر خلفاً له؟! وهل ينفض يديه من أيّ مسؤوليّة بعد ذلك ويجلس في بيته مراقباً لما يجري سواءً أكان في الاتجاه الصحيح أم في الاتجاه الخاطئ دون أن يتدخل بأيّ صورة؟!
إنّ المسؤول الحقيقيّ والمخلص في نظري هو من يتحوّل بعد إقالته أو استقالته من مسؤول حاليّ إلى مسؤول سابق، أي أنه يبقى مسؤولاً، أو على الأقلّ يحافظ على الإحساس بالمسؤولية، ويتحول من مسؤول صاحب قرار إلى مسؤول صاحب رأي، إذ لا يجوز أن تضيع خبرات المسؤولين السابقين وجهودهم هباءً، بل يجب الاستمرار في الاستفادة منها قدر الإمكان، ويجب أن يستمرّ المسؤول بعد تقاعده أو استقالته في تقديم الرأي والمشورة، والتنبيه على أي مسارات خاطئة في عمل المؤسسة التي كان يقودها. ولذلك فإنّ على أيّ مسؤول سابق سواءً أكان رئيساً للوزراء أم وزيراً أم أميناً عامّاً أم مديراّ عاماً أم رئيس جامعة أن يواصل بعد تقاعده أو استقالته التفكير في وسائل تطوير المؤسسة التي كان يترأسها ووسائل تقدّمها ونجاحها، وذلك أن اشتراك المسؤولين السابقين في أيّ مؤسسة في التفكير بتطورها ونجاحها سوف يؤدي قطعاً إلى خدمة المؤسسة وتحقيق مصلحتها ورسالتها الوطنية. ولذا فإنّه ينصح بأن يكون لكل مسؤول قناة لخدمة المؤسسة التي كان يترأسها مثل منتدى فكري أو زاوية ثابتة في صحيفة أو صورة من صور التعاون مع محطّة إذاعية أو تلفزيونية أو كتب يؤلّفها ويضمّنها خلاصة فكره في القطاع الذي كان يعمل فيه إلى غير ذلك، وأن يستمرّ بعد ذلك كلّه في التواصل مع المسؤولين الذين جاءوا بعده كي يقدّم لهم ملاحظاته وأفكاره وآراءه.
إنّ الأصل في أيّ مسؤول أن يصبح مرجعاً ورمزاً فكريّاً في الحقل الذي كان يخدم فيه، ومن الطبيعي أن تكون له مشاركاته الاجتماعية إلى جانب دوره الفكري والسياسيّ، أمّا أن يتحوّل المسؤولون السابقون إلى وجهاء مجتمع أو خطّابين ورؤساء جاهات فذلك ممّا لا يليق بهم، ولاسيّما إذا كانوا يعلمون أنّ جاهات الخطبة أصبحت مجرد تمثيليات وأنّ الجاهات ورؤساءها ما هم إلاّ عناصر مكمّلة للتمثيلية التي يشهدونها.
إنّ ارتباط اسم المسؤول السابق وصورته بفكر محدّد ومواقف سياسيّة معروفة وقيامه بدور فكري سياسيّ في مجتمعه أولى وأكرم له بكثير من ارتباط اسمه وصورته بجاهات يبلغ عدد المدعوّين في كلّ منها ألف شخص أو خمسة آلاف شخص أو يزيد، وليتركوا دور الخطّابين ورؤساء الجاهات إلى كبار السنّ الموقّرين من العائلات التي تخصّها الجاهة أو وجهاء تلك العائلات؛ ويشتغلوا بدورهم الفكري والسياسي.