TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
مجزرة تاريخية في حي الشجاعية
22/07/2014 - 4:15am

طلبة نيوز- د.رحيل محمد  غرايبة 

كانت المناظر التي بثتها وسائل الإعلام عن آثار المجزرة المروعة التي ارتكبتها قوات جيش الاحتلال في حي الشجاعية في غزة تفوق الوصف من حيث شدة بشاعتها، ومن حيث قوة التدمير الهائلة التي أحدثتها القذائف الإسرائيلية الحديثة التي كانت أقرب إلى زلزال مدمر أتى على جميع الأبنية والمنازل وحولها إلى ركام متطاير، وأحال السيارات والمركبات الى هياكل معدنية محترقة، وكانت الجثث متطايرة الأشلاء تحت الأنقاض.
هذه المجزرة الجديدة تضاف إلى سجل الكيان الحافل منذ أربعينيات القرن الماضي بعدد وافر من المجازر المروعة، ابتداء من مجزرة دير ياسين وقبية وبحر البقر وقانا، وسلسلة لا تنتهي من تاريخ دموي موثق بدماء الأطفال والنساء وجموع المدنيين العزل، الذين حرموا أدنى مقومات العيش الإنساني في أرضهم وديارهم.
العدوان «الإسرائيلي» الهمجي على غزة، وما يرتكبه من مجازر بحق المدنيين يحاول أن يسهم في رسم معالم المستقبل العربي ويعيد صياغة المنطقة وفقاً لمخطط شمولي تشترك فيه أطراف عديدة، ولكنه في الوقت نفسه يؤدي إلى توضيح جملة من الحقائق الكبيرة ويزيدها جلاءً في نفوس الأجيال الجديدة التي تعيش تحت ركام الزيف، وفي ظلال ضجيج إعلامي كبير ومخادع، تقوده آلة إعلامية ماكرة بتمويل عربي.
الحقيقة الكبيرة الأولى تتعلق بأكذوبة التعايش بين العصابات الصهيونية الإجرامية من جهة وبين الشعوب العربية من جهة اخرى، حيث إن الكيان المحتل يقوم على فلسفة القتل والإبادة، واستراتيجية ترويع الآخرين عن طريق استخدام القوة الساحقة التي تحدث الصدمة الهائلة والهزيمة النفسية للخصم، من خلال امتلاك فارق القوة الأبدي، ومن خلال حرمان الفلسطينيين والعرب من امكانية الدفاع عن النفس، وتستند هذه الحقيقة إلى تعاليم توراتية ونصوص تلموديّة مقدسة بحسب دينهم وعقيديتهم.
الحقيقة الثانية تتعلق بمعاهدات التسوية التي تم عقدها بين الكيان الصهويني والأطراف العربية كل على حدة، كانت تستند إلى الحقيقة الأولى حيث نجد أن هذه الاتفاقيات كلها، أسهمت في تفريق القوة العربية وإضعافها وتنص على تخفيض أعداد الجيوش العربية والحد من تسليحها وتحديد حركتها، ومراقبة تطوير قدراتها، في الوقت الذي تواصل فيه (إسرائيل) رفع قدرات جيشها وتطوير اسلحتها وزيادة فارق القوة بشكل مذهل دون توقف.
والأمر الاخر المتعلق بهذه المعاهدات، أنها لم تستطيع إيجاد السلم أو السلام المعلن عنه، ولم تحم ِ الشعب الفلسطيني من عسف الاحتلال ومواصلة عمليات القتل والاعتقال، ومداهمة البيوت وتدميرها، ومواصلة الاستيلاء على الأرض الفلسطينية وبناء المستوطنات وتهويد المؤسسات الإسلامية، مما يجعل الأجيال أمام حقيقة جلية وواضحة تنطق بالقول الصريح أن هذه المعاهدات عبارة عن حبر على ورق وعبارة عن مسرحية هزلية لخداع العالم وخداع الجماهير العربية بتواطؤ المؤسسات الدولية، وشهادة هيئة الأمم المتحدة، والدول الاستعمارية الكبرى.
الحقيقة الثالثة تتعلق بموضوع (العجز العربي) المتراكم على مستوى قطري وعلى مستوى جمعي، وعلى كل الصعد السياسية والعسكرية، فلولا العجز العربي لما حدثت هذه المجزرة ولما حدث الاجتياح، مما يجعلنا جميعا أمام مقتضيات هذه الحقيقة، إذ لا سبيل إلى وقف هذه المجازر ومنع تكرارها الاّ من خلال العمل على امتلاك قوة مماثلة لقوة العدو قادرة على إحداث التوازن، وتقليص فارق القوة الهائل وغير المعقول، الذي كرسته معاهدات التسوية ومنهج المفاوضات العبثي، الذي بدد الوقت وهدر الطاقات العربية في مسارب الضياع والتيه على مدار عقود من السنوات.
هذه المجزرة المروعة تعيد طرح السؤال الكبير من قبل كل أطفال العرب: كيف للأنظمة العربية القائمة التي تدير العالم العربي منذ أكثر من نصف قرن وما زالت، كيف لها أن تؤمن الحماية لشعوبها وكيف تحمي أطفالها ونساءها، من لعنة الكيان الصهيوني القابع على ترسانة أسلحة تدمير شامل؛ نووية وكيماوية وبيلوجية وطائرات حديثة، وصواريخ بعيدة المدى، قادرة على إحداث أكبر مساحة من القتل والتدمير، ويستطيع شن العدوان في أي وقت وفي أي مكان دون رادع من العرب ومن العالم، بل يتم العدوان بحماية دولية وغطاء شرعي أممي، وصمت عالمي، فلا بد لنا  جميعاً من مواجهة هذه الحقيقة وجهاً لوجه، من خلال إعادة النظر بكل مقتضيات المرحلة وعناصرها، والشروع بامتلاك أدوات المواجهة.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)