TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
كيف تحولت جيبوتي إلى "وكر لجواسيس العالم"؟
12/03/2022 - 1:45pm

بسبب موقعها، تأثرت جيبوتي بمشاكل المنطقة وهي تستضيف قواعد عسكرية أجنبية عديدة

نشرت صحيفة التلغراف البريطانية مؤخراً تقريراً مطولاً لها تناولت فيه التنافس بين القوى الدولية على بسط نفوذها على جيبوتي التي وصفها التقرير بأنها باتت "وكراً للجواسيس" في العالم. فما الذي نعرفه عن جيبوتي؟ وما هي حكاية هذه الدولة العربية التي باتت عاصمة الجاسوسية في العالم حيث تتنافس القوى الغربية مع الصين لتعزيز نفوذها هناك؟

بوابة قناة السويس

تطل دولة جيبوتي الصغيرة على مضيق باب المندب الذي يمثل بوابة قناة السويس، أحد أكثر طرق الشحن ازدحاما في العالم.

وتبلغ مساحتها نحو 23 ألف كيلومتر مربع وعدد سكانها 942 ألف نسمة وينتمون بشكل أساسي إلى مجموعتين عرقيتين هما عيسى ذات الأصل الصومالي وعفار ذات الأصل الإثيوبي.

الصين تفتتح أول قاعدة عسكرية لها خارج البلاد - في جيبوتي

محتجون يقطعون طريقا حيويا وخطا رئيسيا للسكة الحديدية عن أديس أبابا

والإسلام هو الدين الرئيسي في جيبوتي التي يتحدث سكانها اللغات الفرنسية والعربية والصومالية وعفار.

ويُعد ميناء هذه الدولة شريان الحياة لاقتصادها، ويوفر أكبر مصدر للدخل والعمالة في هذا البلد القاحل.

وأدى موقع جيبوتي القريب من المناطق المضطربة في إفريقيا والشرق الأوسط واستقرارها النسبي إلى اكتسابها أهمية فريدة بالنسبة للقواعد العسكرية الأجنبية وبالتالي ضمنت تدفقا ثابتا من المساعدات الخارجية.

وتحتفظ فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، بوجود عسكري كبير هناك، كما تستضيف البلاد أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في إفريقيا، وأول قاعدة عسكرية خارجية للصين وأول قاعدة عسكرية يابانية منذ الحرب العالمية الثانية.

كما تعد جيبوتي البوابة الرئيسية لتجارة جارتها العملاقة إثيوبيا.

تاريخ

أصبحت الجماعات العرقية الصومالية والعفرية في عام 825 ميلادية أول مجموعات عرقية أفريقية تعتنق الإسلام في المنطقة.

وفي عام 1862 اكتسبت فرنسا موطئ قدم لها في المنطقة، واستحوذت على ميناء أوبوك التجاري.

وقد تم إنشاء مستعمرة أرض الصومال الفرنسية في عام 1888. وفي عام 1894 أصبحت جيبوتي عاصمة أرض الصومال الفرنسية. وصارت جيبوتي إقليما فرنسيا فيما وراء البحار في عام 1946.

وفي عام 1967 جرى استفتاء في إقليم صومالي لاند الفرنسي الذي صوت لصالح أن يبقى إقليما فرنسيا وراء البحار، وتغير اسمه إلى إقليم عفار وعيسى الفرنسي.

الاستقلال ورئاسة غوليد (1977-1999)

في 27 يونيو/حزيران من عام 1977، استقل إقليم عفار وعيسى الفرنسي واتخذت الدولة الوليدة اسم جيبوتي برئاسة حسن غوليد أبتيدون بحسب دائرة المعارف البريطانية. وقد انضمت جيبوتي لجامعة الدول العربية في سبتمبر/أيلول من نفس العام.

وكانت قدرة جيبوتي للبقاء كدولة ذات سيادة عشية الاستقلال موضع شك. ومع ذلك، ولم تتحقق المخاوف من أن يصبح إقليم عفار وعيسى بيدقاً في الصراع بين الجارتين المتنافستين إثيوبيا والصومال.

ولم يتجاهل زعيم سياسي جيبوتي، سواء من عرقية عفار أو عيسى، فكرة الوحدة مع أي من الدولتين الكبيرتين.

وفي الواقع، حققت جيبوتي مكانة كدولة مسالمة من خلال سياسة الحياد الصارم في الشؤون الإقليمية تماشيا مع معاهدات الصداقة مع كل من الصومال وإثيوبيا حيث رفضت الحكومة دعم الجماعات المسلحة المعارضة للأنظمة المجاورة واستضافت مفاوضات بين قادة الصومال وإثيوبيا أسفرت عن سلسلة من الاتفاقات في عام 1988.

وقد تمتعت جيبوتي بعد الاستقلال عن فرنسا في عام 1977 بحكومة متوازنة بين المجموعتين العرقيتين الرئيسيتين وهما عيسى ذات الأصل الصومالي ومجموعة عفار الإثيوبية الأصل.

وقد انعكس الموقف المتوازن لجيبوتي في العلاقات الخارجية على سياساتها الداخلية حيث تم انتخاب غوليد، وهو من عرقية عيسى، لفترتين متتاليتين كرئيس في عامي 1981 و 1987.

كما أُعيد في عام 1987 تعيين بركات جوراد حمدو، وهو من عرقية عفار في منصب رئيس الوزراء الذي شغله منذ عام 1978. وبدا من خلال التعيينات الوزارية أن السلطة مشتركة للحفاظ على التوازن العرقي.

لكن التوترات العرقية كانت واضحة في السنوات الأولى بعد الاستقلال.

وبحلول عام 1978، شهدت الدولة أزمتين وزاريتين وتغييرات في منصب رئيس الوزراء.

وكان المطردون من مناصبهم من عرقية عفار، وتم اتهامهم بإثارة الفتنة العرقية.

وقد أقام غوليد دولة استبدادية ذات حزب واحد تهيمن عليها عرقية عيسى التي ينتمي إليها، فأدى ذلك إلى استياء عفار واندلاع حرب أهلية في أوائل التسعينيات من القرن الماضي.

وبعد حظر أحزاب المعارضة في عام 1981 بات الصراع العرقي في الساحة السياسية ضئيلا مع هيمنة عرقية عيسى على الخدمة المدنية والقوات المسلحة، وبات حزب التجمع الشعبي من أجل التقدم (آر بي آر) الحزب السياسي الوحيد المعترف به قانونياً.

وفي الواقع أنه لا يمكن اختزال التحديات التي واجهت استقرار جيبوتي حينئذ في عداوة عفار وعيسى التقليدية.

فقد ظهرت أيضا المشكلات الخطيرة التي واجهت الأمة الفتية في التركيبة السكانية الحضرية لعاصمتها فيما يوجد على مشارف المدينة مجتمع عشوائي واسع يعرف باسم بالبالا والذي تطور في الأصل خارج حدود الأسلاك الشائكة التي أقامتها الإدارة الاستعمارية الفرنسية لمنع الهجرة إلى العاصمة والتي تضاعف حجمها 3 مرات في غضون عقد بعد الاستقلال.

كما انتشرت الجيوب العرقية هناك، فالجالية العربية تركزت في منطقة البيع بالتجزئة المحيطة بالمسجد الرئيسي (مسجد حمودي) ومحطة القوافل السابقة (ميدان الحربي) ، وسكن الأحياء الممتدة وراء هذه المنطقة عرقيات إسحاق وقادبورسي وعيسى الصومالية.

وأما الحي المعروف باسم أرهيبا الذي بناه الفرنسيون فبات يأوي عمال الميناء من عرقية عفار الذين تم تجنيدهم من شمال المستعمرة في الستينيات.

وقد تحسنت الظروف في الأحياء القديمة من المدينة مع تطوير البنية التحتية الحضرية، ومع ذلك، ظلت الاحتياجات هائلة وقد ترافق ذلك مع روايات عن المحسوبية العرقية، كما تعزز الاستياء من ارتفاع تكاليف المعيشة والبطالة واتساع الفجوة في ظروف المعيشة بين غالبية السكان والنخبة الحضرية الجديدة.

الحرب الأهلية

وعلى الرغم من قيام غوليد، تحت الضغط الفرنسي، بإدخال نظام تعدد الأحزاب في عام 1992، فإنه تم استبعاد المتمردين من حزب عفار، جبهة استعادة الوحدة والديمقراطية (فرود) من العملية السياسية.

وفي الانتخابات الرئاسية اللاحقة التي أجريت في العام التالي، خرج غوليد منتصرا على مرشحي المعارضة.

وفي غضون ذلك، استمرت التوترات العرقية في البلاد في التصاعد ، وفي أواخر عام 1991، حملت جبهة عفار لاستعادة الوحدة والديمقراطية السلاح ضد الحكومة التي يهيمن عليها عرق عيسى وتطور الصراع بسرعة إلى حرب أهلية.

وبحلول منتصف عام 1992، احتلت قوات جبهة استعادة الوحدة والديمقراطية حوالي ثلثي البلاد على الرغم من أن الأراضي التي احتلتها كانت تتألف من مناطق ريفية قليلة السكان.

في عام 1994 أدى الانشقاق الداخلي داخل قيادة الجبهة إلى انقسام المجموعة.

وفي وقت لاحق من ذلك العام، أنهت اتفاقية تقاسم السلطة التي وقعتها الحكومة والمجموعة الرئيسية داخل الجبهة الصراع إلى حد كبير، على الرغم من أن اتفاقية السلام النهائية لم يتم التوقيع عليها حتى عام 2001.

وكجزء من اتفاقية 1994، أصبح بعض قادة الجبهة وزراء في الحكومة، و سُمح للجبهة بالتسجيل كحزب سياسي قانوني في عام 1996.

قيادة غيله

في عام 1999 أعلن غوليد أنه لن يخوض الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في أبريل/نيسان، ورشح حزب الشعب التقدمي إسماعيل عمر غيله، الوزير السابق وابن شقيق غوليد، في تلك الانتخابات التي فاز فيها بسهولة على خصمه موسى أحمد إدريس، الذي كان يمثل ائتلافا صغيرا من أحزاب المعارضة.

وفي عام 2001، استقال رئيس الوزراء الذي خدم لفترة طويلة حمدو لأسباب صحية، وعين غيله ديليتا محمد ديليتا، وهو موظف عام بارع، في ذلك المنصب.

وكان ديليتا، مثل سلفه، من عرقية عفار، وقد حافظ تعيين غيله له في هذا المنصب على توازن القوى بين عفار وعيسى.

وعلى الرغم من المشاكل التي أثرت على جيبوتي في ذلك الوقت، بما في ذلك الجفاف الشديد ونقص الغذاء، بدا أن وجود القوات الأمريكية في البلاد هو القضية المهيمنة على حملة الانتخابات البرلمانية.

وكانت القوات الأمريكية متمركزة في جيبوتي منذ عام 2002 للاستفادة من الموقع الاستراتيجي للبلاد خلال الحملة العالمية التي تقودها الولايات المتحدة ضد الإرهاب.

وعارضت المعارضة قرار الحكومة بالسماح للقوات بدخول البلاد قائلة إن ذلك قد يؤدي إلى أعمال إرهابية ضد جيبوتي.

و قد فاز حزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية في الانتخابات وحصل على جميع المقاعد البرلمانية.

وعلى الرغم من استمرار غيله في تعزيز علاقات بلاده مع الولايات المتحدة، إلا أنه انتقد دورها في حرب العراق التي بدأت في عام 2003، مشيرا إلى عدم موافقة الأمم المتحدة على العملية، ولم يسمح للولايات المتحدة بشن أي هجمات من جيبوتي.

وقد قاطعت المعارضة الانتخابات الرئاسية في عام 2005، مشيرة إلى الحاجة إلى مزيد من الشفافية. وكان غيله هو المرشح الوحيد، وفاز بنسبة 100 في المئة من الأصوات.

وقد تدهورت علاقة جيبوتي إلى حد ما مع إريتريا المجاورة في أبريل/نيسان من عام 2008 عندما حشدت إريتريا قواتها على طول منطقة رأس دميرة الحدودية في جيبوتي، وقد أدى هذا الإجراء إلى نشوب اشتباكات حدودية أفضت في شهر يونيو/حزيران إلى مقتل أكثر من 30 شخصا وإصابة عدد أكبر بكثير.

تسعة قتلى في الاشتباكات الحدودية بين إريتريا وجيبوتي

وتعرضت إريتريا لانتقادات واسعة، لا سيما من قبل الاتحاد الأفريقي ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، وفرض مجلس الأمن الدولي عقوبات على إريتريا في عام 2009.

وقد انسحبت القوات الإريترية من جيبوتي في يونيو/حزيران من عام 2010. وظلت إريتريا تحت عقوبات الأمم المتحدة حتى نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2018 حين وافق مجلس الأمن على رفعها.

ميناء جيبوتي بوابة لقناة السويس التي تُعد أحد أكثر طرق الشحن ازدحاما في العالم

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)