TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
كولسترول سياسي
29/06/2014 - 3:45am

طلبة نيوز- فهد الخيطان

إذا لم يكن السياسي طموحا، ويسعى للوصول إلى مواقع يؤثّر من خلالها في صناعة القرار، فهو ليس بسياسي أبدا، ولا يستحق هذا الوصف. والشيء ذاته ينطبق على الأحزاب والحركات السياسية، لكننا اليوم لسنا بصدد الطرف الثاني، بل الأول، وأعني الشخصيات السياسية.
في الأردن، فإن العملية السياسية قائمة على الشخصيات وليس الأحزاب؛ أشخاص يشكلون الحكومات ويأتون بمثلهم وزراء، ومديرين. والحياة النيابية قائمة أيضا على المستقلين، ومثلها مجالس الأعيان. مشاركة الأحزاب وحضورها يكون محدودا في العادة، خاصة إذا قاطع الإسلاميون الانتخابات.
لاشك أن هذا عيب في الحياة السياسية الأردنية، وقد سعت الدولة في السنوات الأخيرة إلى معالجته عبر ما بات يعرف بالإصلاح السياسي. لم تحقق عملية الإصلاح أُكُلها، غير أنها قطعت شوطا على الطريق الطويل.
المشكلة أن النخب السياسية لم تساعد بما فيه الكفاية لتسريع عملية الانتقال الديمقراطي؛ إذ ماتزال تتمسك بالأدوات التقليدية للوصول إلى مواقع الدولة القيادية، وترفض دعم جهود الدولة والملك في جعل البرلمان والحكومات البرلمانية مدخلا لتداول السلطة وتشكيل الحكومات.
قلة قليلة من السياسيين على استعداد للتقدم لامتحان شعبيتهم والاحتكام لصناديق الاقتراع. معظمهم يريدها "مقشّرة" كما يقال في الأمثال. وتجدر الإشارة هنا إلى أن ثلاثة فقط من رؤساء الحكومات في العهد الجديد خاضوا الانتخابات النيابية من قبل وهم عبد الرؤوف الروابدة، علي أبو الراغب ورئيس الوزراء الحالي عبدالله النسور.
النسور وقبل أن يشكل ما توصف ولو شكليا بحكومة المشاورات البرلمانية بعد الانتخابات الأخيرة، كان عضوا في البرلمان الذي تم حله، لإجراء انتخابات مبكرة، أشرفت عليها حكومته الأولى.
من بين الساسة الطامحين بدور في الحياة السياسية، أو العودة من جديد لسدة الرئاسة، من لا يدخر جهدا ووقتا في التحرك وعلى مدار الأسبوع لاستعادة حضوره العام والتواصل مع "القواعد الشعبية" لتهيئة الرأي لعودته قريبا ومنافسة أقرانه على دور مستقبلي. وذلك حق مشروع كما قلنا من قبل، لكن الخلاف على الوسيلة، وليس الهدف.
لا أعتقد أن الولائم و"العزايم" هي الطريق الصحيح للوصول إلى قلوب الأردنيين، خاصة إذا كانت لشخصية سياسية تصنف على أنها ليبرالية، تتبنى نهج الانفتاح الاقتصادي، وتتحفظ على الدور الريعي للدولة، وتؤمن بسلطة القانون على الجميع دون تمييز.
ليس لأن هذا النهج ينطوي على ولاء لقيم قديمة تجاوزتها الدولة، ناهيك عن كونها سلوكا استفزازيا لقطاعات واسعة من الأردنيين الذين يعانون أوضاعا اقتصادية صعبة، ليس هذا فقط، بل إن الحضور الجماهيري في "الغدوات والعشاوات" لا يعني أبدا تأييد الحاضرين أو دعمهم لسياسات الضيف. إنها مجرد مجاملات مفروضة على الكثيرين لاعتبارات عشائرية أو مصلحية ذاتية لا أكثر.
ثمة طريق آخر أصعب، لكنه أرقى لنيل الشرعية الشعبية، وهو الانتخابات النيابية. وقد يكون من المناسب لكل من يطمح بدور سياسي في المستقبل أن يبادر منذ الآن بتأسيس حزب سياسي أو منبر للحوار في الشأن العام، عوضا عن تبديد الوقت في تلبية دعوات الغداء، والتي لا تقدم للضيف وجمهور الحاضرين من فائدة غير المنسف طبعا.
ومثل هذه الدعوات باتت تهدد ضيوفها بخطر الإصابة بالكولسترول السياسي؛ فالسؤال الذي يرافق كل عزيمة: كل هذا النشاط بدافع شخصي بحت، أم بضوء أخضر؟ السؤال مِّضر وطنيا بقدرٍ يفوق ضرر الإكثار من المناسف على الصحة.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)