TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
كم أحببناك!!*أ.د أمل نصير
05/02/2014 - 4:00am

طلبة نيوز-
في هذه الأيام من كل عام، تغور أفئدة الأردنيين، وقد حلت ذكرى إحدى الحظات الحالكة في حياتهم... ذكرى وفاة المغفور له الحسين بن طلال، ويتسآلون بحرقة المكلوم: هل حقّا مات الحسين؛ الأب والأخ لجيل من أبناء الوطن وبناته؟! هل مات من عاش في قلوبنا وعقولنا لعشرات السنين؟! كنا نسمعه ونراه في بيوتنا كل يوم على شاشات التلفاز، يبني مؤسسات الأردنيين، ويفتتح مشاريعهم، ويخرّج أبناءهم وبناتهم، ويجوب العالم مدافعا عن قضايا الأردن وفلسطين، وكل العرب والمسلمين، هل حقا مات باني الأردن في ظل أصعب الظروف، وأحلكها من تاريخ الأمة؟!

يا أيها الملك الأجل، يا من صُغت نصر العرب في يوم الكرامة، يا قامة تستعصي على البيان والتأبين، إني أعترف لك اليوم يا سيدي أننا لم نوفك حقك من الحزن والبكاء، فهل كان هذا من باب عدم الوفاء منا وأنت من علمنا الوفاء للوطن؟! ولكن ربما شغلتنا الصدمة عن ذلك، بل جلل المصاب، بل تسارع الأحداث في حينها، بل ربما شغلنا خوفنا وهمنا الكبيران، فلم نعطك حقك من الحزن والبكاء، وأنت الذي لم تُشغل عنا يوما في مناسبة صغيرة أو كبيرة، كنت دائما معنا، في يومنا الأول في المدرسة، ويومنا الأول في الجامعة، في مناسباتنا الوطنية والدينية، في أغانينا وأناشيدنا، في أعيادنا وأفراح تخريجنا، لقد كنت مع شعبك الوفي دائما في أفراحه وأتراحه، كنت معنا في بوادينا ومدننا وقرانا، حتى في أسفارنا للخارج، فما من أحد كان يتعرّف علينا، إلا ويهز رأسه إعجابا بمليكنا، كنا ننام على صوتك المفعم ببلاغة الحب والمعرفة، ونصحو نتغنى بغرة جبينك المتوج بالعزّ.

يا حبنا الكبير، وليلنا القنديل، يا من سكنت في قلوبنا، لقد أحببناك مثلما تحب الزهرة الندى، فقد كنت ماءنا في الجداول الصغيرة، وداليتنا الوارفة الظلال نفيء إليها كل يوم، والسطر الجميل في صفحاتنا، وأحلى أمنياتنا، لقد أحببناك حبا كبيرا، وأسكناك في أهداب عيوننا.

ما زلت ياسيدي أذكر يوم كان لي شرف مصافحتك في حفل تخريج جامعة اليرموك، كنت أتوقع أن تُسلّم عليّ بسرعة كواجب يؤديه الملوك أمام وسائل الإعلام أو شيء من هذا القبيل؛ لذا كنت مسرعة وقد أرهقتنا كثرة التعليمات، وخوفتنا في آن واحد، ولكنك فاجأتني يا سيدي بهدوئك، واهتمامك، وإعطائي الوقت الكافي لتقول: لي بصوت واضح، ونظرة ثاقبة مهتمة: مبروك يا أمل.... مبروك.... بارك الله فيك، ربنا يوفقك إن شاء الله.... فدُهشت دهشة كبيرة، لاسيما أني كنت الخريجة الأولى في الدراسات العليا، وكنت يا سيدي قد خرّجت قبلي أفواجا كبيرة من طلبة البكالوريس، في حفل صاخب كيوم الحشر ازدحاما لكنك، لم تُبدِ تعبا أو مللا أو سرعة، قلت لي هذه العبارات... لا أدري إن كانت بصوت الأب الحاني، أو الأخ الحنون، أو الصديق المهتم، أم بصوت هؤلاء جميعا، صوت لم أسمعه من قبل ولا من بعد؛ لأنه لم يكن أحد مثلكم آل هاشم، لقد عرفت حينها، وتأكد لي هذا يوما بعد يوما لماذا أنتم منذ جدكم الأول هاشم؛ هاشم الثريد لقومه، والله يخصكم بالمهمات العظيمة، فجدكم عبد المطلب، ورجال قريش من كان لهم شرف خدمة الحجيج قبل الإسلام وبعده، أما جدكم محمد عليه السلام، فقد حمل رسالة السماء إلى الخلق جميعا، وأخذ رجال قريش على عاتقهم من بعده نشر الرسالة المحمدية بكل ما ملكوا من إيمان وقوة وإصرار، مقدمين التضحيات، وقوافل الشهداء، ولعمري ما كان الله سبحانه وتعالى ليختاركم لهذا كله لو لم تكونوا على قدْر الرسالة، وعلى قدْر المهمات العظيمة.
نستذكرك اليوم يا سيدي في ظل اللهيب العربي، ونحن نتلفت اليوم يمينا ويسارا حائرين في كهوف مظلمة!! نستذكرك في الليالي الحالكات، ونحن نرى حوران غارقة بدمائها، وقبر خالد ينبش في حلب... وشارع المتنبي فيها ضاعت معالمه... وقوافل اللاجئين تترى، ولا أحد يمل القتل والدمار... نسنذكرك اليوم وحال الأمة في تراجع وتمزق مخيفين!!

كم نحتاج اليوم لحكمتك! وقد غاب الحكماء، فحقا في الليلة الظلماء يفتقد البدر... رحمك الله أبا عبدالله، وجعل مثواكم الجنة مع الصديقين والشهداء.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)