TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
فنلندا قبلة العالم في التعليم
09/06/2014 - 2:45am

طلبة نيوز- حسني عايش 

تقع فنلندا في شمال أوروبا، وعدد سكانها خمسة ملايين نسمة أو أكثر بقليل، يتوزعون على مساحة مقدارها ثلاثمائة وسبعة وثلاثون ألف كيلومتر مربع، معظمها غابات وبحيرات (أكثر من ستين ألف بحيرة). وكما تقع فنلندا في قمة الكرة الأرضية جغرافيا، فإنها تقع كذلك في قمة العالم تعليميا، في مستوى "النارفانا التربوية" أو السعادة القصوى في التعليم، كما يقول المفكر التربوي كارل هونوري. وهي تتمتع فنلندا بأحد أكبر معدلات التخرج الجامعي في العالم، وتفاخر باقتصاد ديناميكي يتجلى بالشركات التكنولوجية المبتكرة.
وحسب تقرير لليونيسف، جاء أطفال فنلندا في المرتبة الثالثة كأسعد الأطفال في بلدان العالم المتقدم، ما جعلها قبلة للمراقبين. ففي كل عام، يقوم أكثر من ألف وخمسمائة وفد من خمسين بلدا على الأقل، بزيارتها لمعرفة أسرار معجزتها في التربية والتعليم، وأولها البديل الفنلندي القوي الناجح للتعليم المبكر. فالأطفال الفنلنديون لا يلتحقون بالمدرسة قبل بلوغ السن السابعة، يقضون طفولتهم قبلها في البيت أو في حضانات ورياض الأطفال، حيث اللعب هو صاحب المقام الأول. وعندما يلتحقون بالمدرسة، يتمتعون بأيام مدرسية أقصر، وبعطل أطول، وموسيقى وفنون ورياضة أكثر. ومن أجل صحة مدرسية أفضل، تعمل فنلندا على أن يكون التنافس المدرسي بين الأطفال في حَدّه الأدنى. وكما قال أحد التلاميذ لأحد المراقبين الأجانب: نتنافس مع أنفسنا بدلا من التنافس فيما بيننا.
ومع أن وزارة التربية والتعليم الفنلندية تتابع أداء المدارس، إلا أنها لا تنشر النتائج، وتطلع الأبوين عليها إذا طلباها. كما أنها لا توزع التلاميذ في الصفوف حسب درجات أو علامات، لكنهم يحصلون بدلا من ذلك على بطاقات تقييم من المعلم/ المعلمة مبنية في الغالب على تقييمهم لأنفسهم. فتوزيع التلاميذ حسب الأداء والقدرات (المتوهَّمة)، يضعف معنويات الأقل قدرة وكذلك الذين ينمون/ يتفتحون في وقت متأخر. ولذلك لا يعرف الفنلنديون ما يسمى بالدروس الخصوصية أو الرسوب أو الترسيب، ولا الواجبات المدرسية البيتية الثقيلة فهي خفيفة جدا حسب المعايير الدولية، لأن الآباء والأمهات يتوقعون في الحالتين قيام المدرسة بواجباتها نحو تلاميذها.
أما الدرس الثاني المهم الذي يتعلمه العالم من فنلندا، فهو التقدير العظيم لمهنة التعليم، ما يجعل التنافس على الالتحاق بها شديدا جدا، والذين يقبلون على الالتحاق بها يقضون خمس سنوات من الإعداد للحصول على المؤهل.
أما الدرس الثالث، فتجنب فنلندا إغراء فرض منهاج موحّد معقد على جميع المدارس. بدلا من ذلك، تضع وزارة التربية والتعليم خطوطا عريضة مرنة للمدارس للاهتداء بها. ومن ثم تتمتع مدارسها بحرية كبيرة في اختيار ما يناسب تلاميذها في إطار هذه الخطوط.
ولعل المثير حقا هو الأولوية الدنيا المعطاة للامتحانات في فنلندا. فباستثناء الامتحانات النهائية للمرحلة الثانوية غير المتسببة في حالة طوارئ تلميذية أو أسرية أو مدرسية أو مجتمعية، لا يتعرض الأطفال الفنلنديون لامتحانات موضوعية، بل يقدم المعلمون والمعلمات الاختبارات القصيرة بهدف متابعة تقدم الطفل في التعلم وليس إدانته.
وحسب كارل هونوري، فإن هذا الحالة تضعنا أمام قصة لذيذة: الأمة التي تعير اهتماما أقل للتنافس والامتحانات، والشهية الأقل للحفظ والبصم أو الدروس الخصوصية، تأتي في مقدمة دول العالم في امتحانات بيزا (العالمية) التنافسية".
يعتقد خيبر ألماني قضى ثلاثين سنة تقريبا في فنلندا يتابع التعليم فيها، أن "هذا التناقض الظاهري صحيح، وأنه ناجم عن النظام الفنلندي الذي يقدم حاجات الأطفال على كل شيء، فلا ينظر إليهم كسِلال تُملأ بخمسة أو عشرة أو خمسة عشر درسا في الأسبوع ثم تقاس بالامتحان؛ فأنت لا تستطيع إجبار طفل على النمو بسرعة أكبر لمجرد التلاؤم مع نظامك التعليمي أو برنامجك الزمني أو غرورك. إن عليك معرفة كيف يتعلم الأطفال على أحسن ما يكون التعلم، ولكن بلدانا كثيرة تنسى ذلك".
إن مهمة المدرسة في فنلندا -حسب أحد المديرين- هي تنمية عاطفة قوية نحو التعلم، وليس اجتياز امتحانات تحول المدرسة إلى ما يشبه طنجرة الضغط كما يقول آخر، أو إلى جهنم على الأرض كما يقول ثالث، أو إلى مركز اعتقال نهاري للأطفال كما يقول رابع.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)