طلبة نيوز-د. ابتسام أبو محفوظ / جامعة القصيم

دعيت قبل فترة إلى تقديم ندوة تتناول حياة العلامة والمؤرخ والنسابة السعودي حمد الجاسر ضمن برنامج ثقافي تعده الجامعة للتعريف بأعلام مرموقين في عالمنا العربي ، وقد راقني أن أقف عند نقطة تلخص سيرة حياة الرجل بكل تلك المساهمات الموسوعية التي شارك بها ، إنه ببساطة يصنع الثقافة ، وإذا جاز لنا أن نجعل من الثقافة منتجًا فهو منتج وطني بامتياز ، وإذا كانت الثقافة تشير - فيما تشير إليه - إلى ذلك المركب المتجانس من الذكريات و التصورات و القيم و الرموز و التعبيرات و الإبداعات و التطلعات التي تحتفظ لجماعة بشرية بهويتها الحضارية في إطار ما تعرفه من تطور ، فنحن أمام مجموعة من مفكري هذه الأمة يصنعون نسقًا ثقافيًا يشكل ملمحًا من ملامح الوطن ، لأن الثقافة إنتاج للإنسان بما يحمله من لغة وفكر ووجود وإرادة .
في بلادنا من يستحقون أن نقف عندهم كثيرًا ، لأنهم ساهموا في ترك بصمات واضحة على فكر الأمة ووجودها وهويتها ، إنهم وحدهم القادرون على تغيير حياتنا ، إنهم يصنعون لهذه الأمة سلمًا تصعد عليه إلى قمة ربما تغير من واقع الحال شيئًا ، إنهم يخرجون من رحم هذه الأرض كنخلة جذعها ثابت وفرعها باسق يعانق السماء ، يسّاقط علينا رطبًا جنيًا ، لم تكن الأوطان يومًا بيوتًا فخمة أو عمارات شاهقة ، أو أبراجًا تعلو كناطحات السحاب ، بل هي نتاج حضاري وأخلاقي يصنعه المثقفون والمبدعون من ابنائها ، وإذا كان للحضارة جانبان : أحدهما مادي والآخر معنوي أخلاقي فإني أرى الأوطان صورة أخرى من صور الحضارة التي تشابهها في البنية والتركيب يصنعها مبدعوها . لنقف عندهم علّهم يدفعون ابناءنا وبناتنا إلى شيء من الوعي والتعقل فيدركون أن أمتهم فيها الخير والخيرة فيستعيدون ثقتهم بأمتهم وأنفسهم .
لا أريد أن أجعل من مبدعي الأمة اسطورة يصعب الوصول إليها لأننا سنعجز عن مقاربتهم ضمن ذاك التصور ، ولكنني أريدهم أحياء ، نقرب المسافة بيننا وبينهم فنجعل من إمكانية وجودهم بيننا شيئًا ممكنًا وقابلًا للتحقق إذ هم ببساطة قادرون على إحداث تغيير ثقافي إيجابي يوسع مدارك الإنسان وأفقه ، يجعلنا نتمسك بثوابتنا وندعم مقوماتها ومرتكزاتها ونرسخ انتماءنا إليها ، ولعل هذا الفعل الثقافي يساهم في صناعة وطن وصناعة مستقبل أكثر تفاؤلًا .