TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
سياسات قصيرة النظر
24/09/2014 - 6:45am

طلبة نيوز- د.رحيل محمد غرايبة 

متاعب العالم العربي إن لم يكن أغلبها هي عبارة عن نتيجة طبيعية لسياسات قصيرة النظر، يتمتع بها ساسة كثيرون وأصحاب سلطة يمتعون بقدر كبير من التأثير في صناعة الأحداث الجارية في عالمنا العربي أو في معظم أقطارنا وعواصمنا العربية.
الانتفاضات الشعبية التي اجتاحت عواصم العرب الكبرى في السنوات الأخيرة وأدت إلى خلع بعض الزعماء العرب طوعاً أو كرهاً،وأدت إلى خلل كبير في نسق المخططات السياسية التي كانت تشرف على إدارة اللعبة السياسية، ووصلت إلى إحدى حواف التغيير أشعرت أصحاب المصالح القديمة بالخطر الداهم، سواء كان ذلك على الصعد المحلية أو الإقليمية أو العالمية، مما جعلهم يتداعون إلى تدارك الأمر قبل استفحال الخطر المحدق بهم، ونجحوا في خلق ثورة مضادة وجروا المنطقة إلى الفوضى وفتحوها على احتمالات غير محسوبة!
الأمر الواضح الآخذ بالتبلور في أشهر عواصم العرب ابتداءً من القاهرة ومروراً بدمشق وبغداد وصنعاء وطرابلس، يعبر عن سياسة قصيرة النظر، أهملت النتائج الحتمية التي سوف نحصد ثمارها جميعاً، وأوغلت في التفكير داخل صندوق مغلق، يقتصر على ضرورة الاستعجال أولاً بإخراج الحركات الإسلامية وتخصيصاً «الإخوان المسلمون» على وجه التحديد من اللعبة السياسية برمتها، وعدم السماح لهم بأي دور فاعل في رسم معالم المرحلة القادمة، وكان على رأس صانع هذه السياسة هو المال العربي بالتعاون مع العقل الأجنبي وبعض أصحاب الخبرة العرب، حيث تم رصد مبالغ طائلة بسقوف مفتوحة من أجل تحقيق هذا الهدف، وكانت بداية التنفيذ في مصر، حيث أن إفشال التجربة المصرية سوف يكون كافياً لإغلاق بوابة الشرور حسب تعبيرهم، وسوف يؤدي إلى افشال كل تجارب التغيير في الأقطار العربية الأخرى.
إخراج الإخوان المسلمين من العملية السياسية، يقتضي السير بعدة محاور وعلى مختلف الأصعدة السياسية، والأمنية والعسكرية والإعلامية والقانونية، وربما يقتضي أحياناً استخدام القوة والعصا الأمنية الغليظة، والعودة إلى سياسة السجون والاعتقالات الجماعية والمطاردة التي استطاعت أن تبعد الإخوان عن واجهة الحكم والسلطة عقوداً وسنوات طويلة، وخاصة في مصر على وجه التحديد التي تشكل الثقل السياسي والسكاني للعالم العربي، فضلاً عن كونها منطلقاً لهذه الجماعة التي استطاعت الانتشار في أقطار العالم العربي والإسلامي، انتشاراً واسعاً، واستطاعت تحقيق تأييداً جماهيرياً عميقاً وغدت عنواناً مهماً من عناوين الأكثرية السنية التي تعاني من ضعف المرجعيات التي تحظى بالثقة.
قد  يحقق المال العربي نجاحاً في عرقلة الربيع العربي، وقد يحقق بعض النجاح في تهشيم الحركات الإسلامية وقد تفلح في إعاقة تقدم شعوب المنطقة نحو الديمقراطية، ولكن هذا النجاح مؤقت وملغوم، وسوف تجد هذه الأنظمة نفسها أمام القوى الإقليمية الصاعدة وعلى رأسها (إيران) التي استطاعت إدارة مصالحها بنجاح، ولعبت على حبل المتناقضات واستفادت من الصراع القائم الذي يضرب الأطراف السنيّة بعضها ببعض، مما سيؤدي حتماً إلى اضعاف القوى الشعبية واضعاف الأنظمة وترهلها وإفلاسها، وسوف تصبح فريسة سهلة في المستقبل القريب، وليس أدل على ذلك من استعجال الدول الخليجية بتقديم الدعم للحوثيين الذين يملكون القدرة على مواجهة إسلاميي اليمن، ولكن ذلك كله سوف يصب في نهاية المطاف بالطاحونة الإيرانية.
سياسة بعض الدول العربية قصيرة النظر، المشحونة ببغض الإخوان هي التي أدت إلى استفحال ظواهر التطرف والعنف من جهة، وأفسحت المجال للنفوذ الإيراني للتسلل إلى عواصمهم والإحاطة بهم إحاطة السوار بالمعصم من الجهة الخرى، والمشكلة الأخرى التي لا تقل خطورة عن المشكلة الأولى أن هناك من يتبع سياسات قصيرة النظر في الجهة المقابلة لدى الجماعة والحركات الإسلامية كذلك، بحيث تسلل إلى مواقع القيادة من لايمتلك الرؤية على إدارة اللعبة بذكاء، ووقع بفك الصراع على السلطة، وعجز عن تأطير الزخم الشعبي في محصلة إيجابية تحمي الأوطان والشعوب من مستقبل قاتم مظلم، ووقعنا جميعاً في المعضلة، أنظمة وقوى سياسية، وشعوباً وجماهير وأوطان وعواصم.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)