بقلم: أ.د. عدنان مساعده
تشكل ذكرى مولد حسيننا العظيم باني نهضة الأردن الحديث مرحلة مهمة وأساسية في تاريخ بلدنا، وكان الرابع عشر من تشرين الثاني عام 1935 يوم خير وإطلالة فرح وسعادة على إمارة شرق الأردن آنذاك حيث تربى في كنف والده المغفور له الملك طلالبن عبد الله وجده المغفور له الملك عبد الله الأول تربى على قيم الأصالة والرجولة والجندية، وتجلت صفات الذكاء والفطنة والقيادة عند الفتى الهاشمي منذ نعومة أظفاره حيث عهد إليه ليكون ملكا للمملكة الأردنية الهاشمية في الحادي عشر من شهر آب عام 1952 ولم يكمل في حينها السابعة عشرة من عمره، كما تولي سلطاته الدستورية ملكا للمملكة الأردنية الهاشمية في الثاني من شهر أيار عام 1953 قاد الأردن وخلال مدة طويلة تجاوزت ستة وأربعين عاما بنى الأردن الحديث ومؤسساته جيشا مدربا ومنتميا لرسالة الأردن الوطن الأغلى، وبنى قطاع التربية والتعليم حيث المدارس التي غطت كافة رحاب أرجاء الوطن وانشأت الجامعة الأم الأردنية وجامعة اليرموك وجامعة مؤتة والجامعة الهاشمية والجمعية العلمية الملكية، وتطور القطاع الصحي حيث أشيدت مدينة الحسين الطبية الرائدة ومستشفيات الخدمات الطبية إضافة الى مستشفيات وزارة الصحة والقطاع الطبي الخاص، إضافة الى بناء بنية تحتية شاملة غطت مرافق الصناعة والزراعة وكافة المرافق الحيوية حيث مصفاة البترول الوطنية وشركة الفوسفات وشركة البوتاس ومصانع وشركات الأدوية، ومؤسسة الاقراض الزراعي وغيرها التي شكلت أهم دعامات الاقتصاد الوطني.
ولم ينس رحمه الله بناء الانسان الأردني إعداد وتريبا وتأهيلا في كافة المجالات إيمانا منه بأن الأنسان المؤهل والمدرب والمتعلم هو القادر على بناء النهضة وكان رحمه الله بقطنته وذكائه قاردا على استشراف المستقبل وتقدير ما يحيط بالأردن الذي أفنى حياته من أجله من تحديات مر فيها بظروف صعبة، كما عاش من أجل وأمته مدافعا عن قضاياه العادلة على مستوى الأقليم والعالم، وكانت فلسطين وقضيتها الهاجس الأكبر وشغله الشاغل وكان المدافع عنها وعن المقدسات في كل المنتديات العالمية بكل قوة ووضوح نصرة للحق العربي مترسمّا ومترجما قوله الخالد "فلنبن هذا البلد ولنخدم هذه الأمة".
وهكذا مضى راحلنا العظيم إلى ربه راضيا مرضيا أدى الأمانة وملك قلوب أبناء وطنه وأمته وشرفاء العالم إلى أن شاءت إرادة الله تعالى أن ينتقل الى الرفيق الأعلى، وكان السابع من شباط 1999 عام حزن حيث رحل جلالة المغفور له الملك الباني حسيننا النقي...الرضي... الذكي الذي ما هادن باطلا، وما تنازل عن حق، ولا تردد عن نصرة أخ أو شقيق، فعاش جلّ حياته لوطنه وأمته، فكان سيد الرجال في كل موقف يعتد برأيه وفكره في المنابر الدولية، كما هو أغلى الرجال الذي يعيش في سؤيداء قلوب كل الأردنيين والعرب جميعا.
نعم لقد مرت سنوات رحيل حسيننا العظيم كلمح البصر مؤمنا بإرادة الله بنفس راضية مرضية، كما كانت لحظات الوداع قاسية لزعيم ارتبط اسم الأردن باسمه هذا القائد الذي دخل التاريخ من كل أبوابه، وكان الوداع التاريخي لراحلنا العظيم الذي لم يشهد التاريخ له مثيلا، فأصبحت عمّان عاصمة الكون كله حيث جاء العالم كله ليودع قائدا جريئا شجاعا حكيما شهد له العدو قبل الصديق بذلك.
وكنت وقتها أكمل دراسة الدكتوراة في بريطانيا في جامعة مانشستر، وكانت الصدمة قوية لجموع الكثيرين من أبناء الأردن وأبناء العرب الذين يدرسون هناك، كما كانت صدمة للذين عرفوه من المنصفين في العالم من خلال فكره الثاقب وحضوره القوي والمؤثر في الساحة الدولية.
وبقيت صورة أبي عبد الله الملك الانسان صورة الشموخ والكبرياء والعزة والكرامة ماثلة في عقلي وقلبي طيلة فترة دراستي هناك، وكان أقل شيء قدمته الدعاء الخالص وإهداء جهد رسالة الدكتوراة الى روحه الطاهرة، وعندها علق على هذا الإهداء الأستاذ المشرف على الرسالة البروفسور نائب رئيس جامعة مانشستر للعلوم والتكنولوجيا بقوله: «لقد خسر الأردن والعالم قائدا عظيما».
وهكذا تستمر الراية التي يقودها جلالة حادي الركب مليكنا المفدى عبد الله الثاني بن الحسين أعز الله ملكه على نهج الهاشميين نحو أردن قوي معتصما بحبل الله وبجيشه العربي المصطفوي وبوحدته الوطنية وبهمة المخلصين والأوفياء لتعظيم الانجازات والبناء عليها، وأردننا أكثر قوة وتماسكا ورسوخا لتحقيق الاعتماد على الذات في كل الميادين ’يحركنا للعمل قيم’ أبناء شعبنا الأصيلة وقدرات’ الإنسان الأردني المؤهل علما وتدريبا التي تقوم على التماسك والتسامح والتكافل والعطاء ليبقى وطننا قويا ينشد التقدم والنهضة.
ورحم الله الحسين الملك الانسان والقائد المقدام الذي ترك على هذا الأرض المباركة مايمكث في الأرض وبما ينفع الناس.
• استاذ جامعي وكاتب (حاليا)/ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
• عضو مجلس أمناء
• عميد أكاديمي سابقا في جامعتي اليرموك وجامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية
• رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس سابقا
اضف تعليقك