TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
روسيا وأوروبا: صراع لا ينتهي!
10/11/2022 - 11:45am

د. أحمد بطَّاح
بالرغم من أن روسيا تتشارك مع أوروبا في الجغرافيا إذ تقع في قارة "أوراسيا" (القارة الأسيوية الأوروبية) إلّا أنّ علاقتها مع بقية دول القارة كانت علاقة صراعية تاريخياً، ويكفي أن نشير في هذا السياق إلى غزو نابليون لروسيا في عام (1812)، وإلى غزو هتلر لروسيا في عام (1941)، كما لا بدّ من أن نُشير إلى الاصطفاف الأوروبي الكامل (مُمثّلاً في الاتحاد الأوروبي الذي يضم 27 دولة بالإضافة إلى بريطانيا) ضد روسيا في الحرب الروسية الأوكرانية الدائرة الآن.
إنّ السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما الأسباب والعوامل وراء هذه العلاقة القلقة بل العدائية في الغالب بين روسيا وأوروبا؟ إنّ هناك في الواقع أسباب عديدة لعلّ أهمها:
أولاً: تنتمي معظم دول أوروبا إلى العقيدة المسيحية النابعة أصلاً من الكنيسة الغربية (التي تتبع روما وتضم المذهبين: الكاثوليكي والبروتستانتي)، بينما تنتمي روسيا إلى العقيدة المسيحية النابعة أصلاً من الكنيسة الشرقية والمعبّر عنها الآن بالأرثوذوكسية التي كانت تتبع "بيزنطة" وذلك بعد سقوط القسطنطينية عام (1453) على يد السُلطان العثماني محمد الفاتح.
ثانياً: تنتمي معظم شعوب أوروبا المهمة إلى الأصول الأنجلوسكسونية والجرمانية الآرية، بينما ينتمي الشعب الروسي إلى العرق السلافي، ومن الجدير بالذكر أن الشعب الأوكراني ينتمي هو الآخر إلى العرق السلافي مثله مثل الشعب الروسي!
ثالثاً: تقع روسيا كما أشرنا آنفاً في قارة أوراسيا (بمساحة هي الأكبر في العالم وتبلغ (17) مليون كم2) يقع 60% منها في آسيا بينما يقع 40% منها في أوروبا، والطريف أن معظم السكان الروس يعيشون في القسم الغربي من روسيا أيّ الأوروبي في (مدن موسكو وسان بطرسبرغ) وغيرهما من المدن الكُبرى) بينما تقع كُل الدول الأوروبية في قارة أوروبا (750 مليون إنسان يعيشون في مساحة تقارب الـ (10) مليون كم2.
رابعاً: تقع روسيا في موقع جغرافي تحيط به المياه الباردة بل المتجمدة كالمحيط المتجمد الشمالي، وبحر قزوين، والبحر الأسود، بينما تقع أوروبا في موقع جغرافي تحيط به المياه الدافئة كالبحر الأبيض المتوسط (فرنسا، إيطاليا، اليونان)، وبحر الشمال (بريطانيا)، والمحيط الأطلسي، والواقع أن هذا العامل كان مهماً دائماً من الناحية الجيوسياسية إذ لطالما كان هناك صراع تاريخي من أجل الاستحواذ على المياه الدافئة بطريقة أو بأخرى.
خامساً: تميزت روسيا تاريخياً بالقيم الشمولية وبالذات في نمط الحكم (حكم القياصرة، والاتحاد السوفياّتي 1917-1990)، بينما تميزت أوروبا بالقيم الديمقراطية التي وُلدت ونمت في أوروبا وبالذات في بريطانيا بعد "الماغناكرتا" (قبل ما يزيد عن 900 عام)، وفي فرنسا بعد الثورة الفرنسية التي قدمت للعالم مبادئ الحُرية والإخاء والمساواة.
سادساً: امتلاك روسيا لقوه نووية هائلة إذ تتوفر على ما يزيد عن 6000 رأس نووي قادرة على تدمير العالم، بينما لا تملك أوروبا مثل هذه القوة التي لا مثيل لها (إلّا في الولايات المتحدة)، والواقع أنّ هناك دولتين نوويتين فقط في أوروبا وهما بريطانيا (تملك ما يقارب 300 رأس نووي) وفرنسا (تملك ما يقارب 300 رأس نووي)، الأمر الذي دعا الدول الأوروبية إلى الانخراط في حلف "الناتو"، والاحتماء بالمظلة الأمريكية حيث تملك الولايات المتحدة ما يوازي القوة النووية الروسية (6000 رأس نووي تقريباً).
إنّ جملة هذه العوامل خلقت هوة بين روسيا من جهة وأوروبا من جهة أخرى، الأمر الذي أدّى تاريخياً إلى حروب طاحنة بين الطرفين تمثلت كما أسلفنا في غزو نابليون لروسيا (والذي انتهى بنصر روسي حاسم)، وفي غزو هتلر لروسيا (والذي انتهى بنصر روسي حاسم كذلك)، فهل يُعيد التاريخ نفسه ويتطور الصراع الأوروبي ذو الامتداد الأمريكي الآن (من خلال حلف الناتو) مع روسيا ليصبح حرباً نووية لا تُبقي ولا تذر!
سؤال مازال برسم الإجابة

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)