تُعدّ الشاعرة والناقدة والمترجمة الفلسطينية سلمى الخضراء الجيوسي التي رحلت اليوم الخميس في عمّان، من أبرز المشتغلين على تاريخ الأدب العربي ونهضة الحضارة العربية الإسلامية ضمن مشروعها القائم على مواجهة ادعاءات مركزية الثقافة الغربية
وعلى مدار أكثر من نصف قرن، قدّمت أبحاثاً معمّقة باللغتين العربية والإنكليزية حول تأصيل الكتابة والفنون وصنوف الإبداع العربي منذ ما قبل الإسلام وحتى العصور الوسيطة، وأعمالاً موسوعية أحاطت بهذا التراث الثريّ المتعدّد، واعتُمد بعضٌ من هذه المؤلّفات مراجع علمية معتمدة في عدد من الجامعات والمراكز البحثية الغربية
الجيوسي، التي يُختلف في عام ميلادها بين سنوات 1926 و1927 و1928، رأت النور في مدينة السلط الأردنية في نيسان/ أبريل. والدها صبحي الخضراء كان أحد السياسيين الفلسطينيين الأوائل الذين انخرطوا في العمل من أجل وحدة العرب وحقوقهم، ووالدتها أنيسة يوسف سليم تنتمي إلى عائلة لبنانية شارك أبناؤها في الثورة السورية ضدّ الاستعمار الفرنسي
مثقفة بارزة واجهت المركزية الغربية وتشويه صورة العرب في العالم
عاشت صاحبة كتاب "الاتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث" طفولتها بين عكا والقدس، وفي الأخيرة تلّقت تعليمها في "كلية شميت"، ومنها انتقلت إلى بيروت لتدرس الأدبين العربي والإنكليزي في "الجامعة الأميركية"، لتعود منها إلى القدس وتعمل مدرّسةً في "كلية دار المعلّمات" حيث شهدت الأحداث الممهّدة للنكبة
التحقت بعد ذلك بـ"مدرسة العلوم الشرقية والأفريقية" بـ"جامعة لندن"، حيث حازت درجة الدكتوراه منها في الأدب العربي عام 1970، وتنقّلت في عملها الأكاديمي بين جامعات "الخرطوم" و"الجزائر" و"قسنطينة" وعدد من الجامعات الأميركية بعد ذلك
بدأت الجيوسي كتابة الشعر في سن مبكرة، حيث أصدرت مجموعتها الأولى عام 1960 تحت عنوان "العودة من النبع الحالم"، التي أشارت إلى شاعرية لافتة، ولعلّها أمتن مجموعة لشاعرة عربية في تلك الحقبة، ولتنشر في عقد الستينيات مقالاتها في مجال النقد الأدبي، وترجماتها لمقالات ونصوص أدبية
انخرطت الراحلة ايضاً في السجال الذي دار حول تجديد الشعر العربي، وكانت صوتاً فاعلاً من خلال كتاباتها النقدية في عدد من المجلّات العربية، آنذلك، تناولت خلالها بنية القصيدة الجديدة وآراءها في تجارب أسماء مثل أدونيس ومحمد الماغوط وبدر شاكر السياب ونازك الملائكة وصلاح عبد الصبور وجبرا إبراهيم جبرا وخليل حاوي، وراكمت مدوّنتها النقدية المؤثرة في الشرق والغرب حتى كتبت التقرير الخاص بـ"جائزة نوبل" حول الأدب العربي، والذي على إثره استحق نجيب محفوظ الجائزة عام 1988
كتبت التقرير الخاص بـ"نوبل" الذي ساهم بفوز نجيب محفوظ بالجائزة
ومنذ الستينيات، عملت بشكل موازٍ على الترجمة من وإلى العربية، حيث نقلت كتباً بارزة منها: "إنجازات الشعر الأميركي في نصف قرن" لـ لويز بوجان (1960) و"إنسانية الإنسان" لـ رالف بارتون باري (1961)، و"الشعر والتجربة" (1962)، والجزآن الأول والثاني من رباعيّة الإسكندرية لـ لورنس داريل "جوستين" و"بالتازار"
أسّست لاحقاً مشروعها الكبير "بروتا" لترجمة موسوعات وكتب في الحضارة العربية الإسلامية، وروايات ومسرحيات وسيراً شعبية وأنطولوجيات شعرية وغيرها من العربية إلى الإنكليزية، من بينها "موسوعة الأدب الفلسطيني المعاصر" بالإنكليزية أيضاً، والتي قدّمت فيها العديد من التجارب البارزة إلى القارئ الغربي
تركت الجيوسي كتباً وأنطولوجيات مهمة باللغة الإنكليزية من بينها: "الشعر العربي الحديث" (1987)، و"أدب الجزيرة العربية" (1988)، و"الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس" (1992)، و"المسرح العربي الحديث" (بالاشتراك مع روجر ألن/ 1995)، و"القدس مدينتي: دراسات، قصـائد، ذكريات" (2005)، و"القصة العربية الحديثة" (2010)، و"موسوعة الحضارة العرية الإسلامية في صقلية" (2014)
حظيت الراحلة بتكريمات عربية عديدة، من بينها: "وسام القدس للإنجاز الأدبي" (1990) من "منظمة التحرير الفلسطينية"، و"جائزة الإنجاز الثقافي والعلمي" من "مؤسسة سلطان العويس الثقافية" (2007)، و"جائزة الشيخ زايد للكتاب" (2020)، و"جائزة محمود درويش للابداع" (202
اضف تعليقك