طلبة نيوز- **الدكتور خلدون بشايرة
يعد موضوع إكمال التخصص وإيجاد برنامج للإقامة من المواضيع الهامة والتي تتطلب دراسة متعمقة ودقيقة بما فيها إعادة النظر في إمكانية إيجاد هذه البرامج وشروط القبول فيها وفرصة الحصول عليها، ويمتد الأمر إلى دراسة برامج الإقامة الموجودة في كل المؤسسات الطبية، اذ لابد من مناقشة برامج الإقامة على مستوى المجلس الطبي الأردني والحاجة الملحة إلى إعادة تقييمها؛ وهنا ليس بالضرورة العمل على التغيير وإنما دراسة واقع الحال ومواكبة المتغيرات بما فيها متابعة مستجدات العمل الطبي والأكاديمي، والتأكيد على إيجاد الإمكانيات الكاملة لغايات ديمومة السماح بتقديم هذه البرامج في بعض المؤسسات ومحاولة العمل على ايجاد برامج زمالة معتمدة في بعض التخصصات الفرعية بعد مرور هذه الفترة الزمنية الكافية لاكتساب خبرة في إدارة برامج الإقامة وتوفر العدد الكافي لإيجاد هذه البرامج.
بشكل عام يكون القبول في التخصصات الطبية المختلفة مبنياً على الرغبة في هذا التخصص وهي مربوطة بشخصية الطبيب القائمة على نوعية هذا الشخص ورغبته في الاحتكاك مع أكبر قدر من المرضى أو تقديم الخدمة الطبية بأقل قدر ممكن من التعامل المباشر مع المرضى كما في بعض التخصصات الطبية وكذلك الأمر الرغبة في التعامل مع مجموعة عمرية أو مرضية معينة. ولا بد للطبيب من الأخذ بعين الاعتبار فترة التدريب المتوقعة وضرورة الحصول على التخصص الدقيق في بعض التخصصات. من أهم ما يجب أن يراعيه الباحث عن التخصص هو قدرته على تحمل ضغط العمل المربوط في بعض التخصصات بحياة أو موت المريض مثل تخصص العناية الحثيثة وتخصص الطوارئ والحوادث أو فترات الدوام الطويلة.
إن رغبة بعض الأطباء وحبهم في عمل التداخلات الطبية والتي قد توجه الطبيب إلى التخصصات المختلفة وخاصة الجراحية منها، يجب أن تكون مقرونة بالمهارات الفطرية والقدرة على تحسينها بالعمل وبالممارسة وليست فقط بالرغبة الشخصية إذا كنا نتحدث عن الاتقان والوصول الى النوعية المرجوة في هذه التداخلات. إن التفكير في نوع التخصص يجب أن يراعي نمط الحياة التي يرغب فيها الطبيب بدرجات مختلفة لأن بعض التخصصات قد تحتاج إلى ساعات عمل غير مربوطة بساعات العمل الرسمية والحاجة في بعض الأوقات إلى الحد أو التقليل من الجوانب الأخرى لنمط الحياة الشخصية والاجتماعية منها.
ولكن للأسف فإن العوامل التي تم ذكرها والتي يجب أن تكون الأساس لاختيار التخصص ليست هي العامل الأهم والرئيس عند معظم الأطباء والخريجين الباحثين عن فرصة التخصص إذ أن هنالك فارق شاسع بين عدد الفرص المتوفرة للتخصص واعداد خريجين كلية الطب من داخل أو خارج الأردن، وأن هذا الفارق سيكبر ويزداد مع مرور الوقت نظراً إلى زيادة أعداد الخريجين المتوقع وبذلك فإنه لابد لكل طبيب من الخريجين الجدد البحث عن كيفية تحسين فرصة الحصول على برنامج إقامة وهي في هذا المجال محدودة بزيادة الجهد المبذول في التحضير لامتحانات الإقامة واختيار المكان المناسب لعمل الامتياز إذا ما علمنا أن عدد من المؤسسات الأكاديمية وغير الأكاديمية تعطي أفضلية لمكان الامتياز وفوق كل ذلك لابد للراغبين من إكمال تخصصاتهم خارج الأردن من فهم الظروف والشروط اللازمة لغايات استكمال متطلبات القبول والعمل عليها ومتفهمين أن هذه الفرص أصبحت للأمانة أقل مما كانت عليه سابقاً لأسباب كثيرة.
إن أعداد طلبة الطب المتواجدين على مقعد الدرس اليوم داخل وخارج الأردن تفوق كثيراً عدد مقاعد برامج الإقامة الموجودة، حيث أن الاحصاءات تشير إلى وجود ما يزيد عن حوالي خمسة عشر ألف طالب طب على مقاعد الدرس في تخصص الطب البشري، يشكل اقل من نصفهم طلبة كلية الطب في الجامعات الأردنية. وبذلك فإننا مقبلون على بطالة حقيقية للأطباء وخاصة في الثلاث سنوات القادمة.
من هنا تأتي الحاجة الى تحرك نشط يعنى أولاً برسم خطة جديدة لتنظيم عمل برامج الإقامة أو حتى حصر الحاجة إلى الاختصاصات الطبية المختلفة وزيادة عددها في ضل النقص الحاصل في اعداد بعض الاختصاصات ومن اجل استيعاب اعداد الخريجين المتوقعة وخاصة في المؤسسات الطبية الكبيرة مثل وزارة الصحة والخدمات الطبية وهي الحاضن الأكبر لقطاع الصحة وبرامج الإقامة.
وبوجهة نظر بسيطة فإنني أعتقد أنه يجب أن تقوم بعض المؤسسات بالاستثمار في تقديم بعثات داخلية للمقيمين مثل ارسالهم إلى مؤسسات أكاديمية أخرى على نفقتها وبذلك تضمن وجود برامج إقامة متنوعة وبأعداد أكثر بالإضافة إلى وجود التزامات أخلاقية ومالية تجاه البقاء للعمل في هذه المؤسسات بعد الانتهاء من الحصول على الاختصاص وهي احدى المشاكل الواضحة التي تواجهها المؤسسات الطبية بعد إكمال برنامج الإقامة والحصول على الاختصاص.
كذلك الأمر لابد من تفعيل تدريب الأطباء في برنامج الطب العام دون الإبقاء على الوضع الحالي فيما يسمى الطبيب العام هو من ينهي مرحلة البكالوريوس في الطب ثم فترة الامتياز فقط وهو البرنامج المعمول فيه في كثير من دول العالم وهنا يجب العمل على تغيير ثقافة التقبل لما يسمى الطبيب العام وتفعيل برامج الرعاية الطبية الأولية من خلال زيادة اعداد وتفعيل دور أطباء الاسرة.
لغايات تحسين منتجات برامج الاختصاص يجب الحديث عن ربط العمل بمنهجية محكومة بأسس وتعليمات المجلس الطبي الأردني ونقابة الأطباء وتفعيل إشراف المجلس الطبي على هذه البرامج. ولابد حقيقة من مراجعة شاملة لتعليمات المجلس الطبي للعمل على تطويرها والعمل على ايجاد برنامج إقامة وطني بحيث يتم تبادل الخبرات بين جميع مؤسسات الطب الأردنية وكذلك تدوير المقيمين في جميع هذه المؤسسات الخاصة منها والعامة. وهذا يتطلب إرادة حقيقية ومرونة في التعامل. ومثال على ذلك إذا كان تخصص معين يحتاج إلى 5 سنوات لاستكمال التدريب فإنه يمكن السماح لمركز تدريبي معين أن يقوم بعمل جزء من هذا التدريب وليس كله بناءً على اعداد ونوع الحالات المرضية التي تراجع ذلك المركز بالإضافة الى الإمكانيات والقدرة التدريبية. وانه يجب على المقيم أن يكمل تدريبه في مركز طبي تدريبي آخر بعد تحقيق شروط القبول في المؤسسة المراد الالتحاق بها. من الضروري في هذه المرحلة تفعيل ما يسمى كتاب السجل الطبي للمقيمين Logbook وهو قد يعطي دلالة على التنفيذ الحقيقي لبرامج الإقامة.
كذلك يأتي دور المجلس الطبي وبالتنسيق مع مراكز التدريب في استحداث برامج زمالة في بعض التخصصات الفرعية غير الموجودة والتي يتوفر فيها العدد الكافي والخبرة في إدارة وتنفيذ هذه البرامج ويمكن ان تكون برامج تكاملية مشتركة بين عدد من المؤسسات الطبية.
كل ما سبق يتطلب إرادة حقيقية في التغير والتطوير والتعامل القائم على فهم بسيط وقرار واضح أساسه أن المؤسسات الطبية في الأردن كلها أردنية وطنية ويجب أن تعمل في نفس الأطر والأسس ويحكمها مصلحة واحدة وهي إيجاد فرص إقامة بقدر كافي أو أكبر ما يكون ثم ان تكون مخرجات هذه البرامج متوازنة وبحدود معينة بنفس الكفاءة، وذلك للوصول الى تقديم رعاية طبية متميزة وبنفس القدر من العناية وبنفس الكفاءة. وهنا يجب النظر الو هذ التوجه بصورة تكاملية وليست تنافسية.
وملخصاً لما سبق هنالك عدة عوامل يجب التعامل معها وهي مربوطة بأرقام حقيقية وحسابات احصائية يجب دراستها بعناية فائقة أولها أن عدد طلاب الطب يفوق كثيراً إمكانيات التدريب المتوفرة للمقيمين ولابد من مراجعة اعداد طلبة الطب وبشكل حثيث وهنا يكون الحديث عن الالتزام بمخرجات التعليم المربوطة بالحاجة والقدرة والنوعية ، ثانيها ان مخرجات برامج الاقامة متفاوتة ويكفي عمل دراسة احصائية ورسم بياني لهذه المخرجات في المؤسسات المختلفة عن طريق المجلس الطبي الأردني وبطريقة احصائية واضحة، وثالثها اليوم وبعد مرور هذه السنين والخبرة الجيدة في ايجاد برامج إقامة فلابد من التوسع وإيجاد برامج زمالة معتمدة وهنا ممكن اشتراك عدد من المراكز الطبية لعمل برامج زمالة مشتركة.
أرجو أن يكون ذلك فيه القدر البسيط من الفائدة المرجوة والاشارة إلى مدى أهمية هذا الموضوعز
والله من وراء القصد.
** الدكتور خلدون بشايرة / مستشار جراحة العظام والمفاصل
نائب مدير عام مستشفى الملك المؤسس عبدالله الجامعي
اضف تعليقك