TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
دور الثقافة في الحفاظ على الهوية الوطنية في الأردن
04/03/2025 - 12:45am

طلبة نيوز- د. عبدالله حسين العزام

تُعَدُّ الثقافة ركن رئيسي في الإسهام في بناء الهوية الوطنية لأي مجتمع، إذ تشكل الإطار الفكري والقيمي الذي يميز الشعوب عن غيرها، ففي الأردن، تلعب الثقافة دوراً محورياً في تعزيز الهوية الوطنية، سيما وأنها تعكس القيم الإجتماعية الأصيلة، وتحافظ على التراث الشعبي والإجتماعي، وتعزز الوعي بالسردية الوطنية التاريخية الراسخة والانتماء الوطني، ويأتي هذا الدور في سياق متغيرات عالمية سريعة تفرض تحديات كبيرة تتطلب استراتيجيات واضحة للحفاظ على الخصوصية الوطنية والثقافية الأردنية.

الأردن بطبيعته يتميز بثراء ثقافي متنوع يعكس تعدد الحضارات التي مرت على أرضه، من النبطيين والرومان إلى العرب المسلمين، وتمثل المواقع الأثرية والثقافية مثل البتراء وجبل القلعة وأم قيس وغيرها، شواهد حية على هذا العمق التاريخي، كما أن الممارسات التراثية مثل الدبكة الأردنية، والزي التقليدي، والمطبخ الأردني، تظل عناصر أساسية في الهوية الوطنية الأردنية، كما تلعب المؤسسات الثقافية، مثل المتاحف والبيوت التراثية، والمراكز الثقافية المنتشرة في كافة محافظات المملكة، دوراً أساسياً في التعريف بهذا الموروث والحاضر للأجيال الحالية والقادمة.

كما تمثل اللغة العربية، وخاصة اللهجة الأردنية، أحد أقوى رموز الهوية الوطنية الأردنية، فاللغة ليست مجرد وسيلة تواصل، بل هي مخزون ثقافي يحمل القيم والتقاليد الموروثة، وفي ظل التحديات التي تفرضها العولمة والانتشار الواسع للغات الأجنبية، يجب أن تسعى المؤسسات التعليمية والإعلامية باتجاه تعزيز اللغة العربية من خلال المناهج الدراسية، والبرامج الإعلامية الهادفة، والمبادرات الثقافية والشبابية والمؤسسية التي تدعم القراءة والكتابة باللغة الفصحى والخط العربي.

كما تلعب الفنون بأشكالها المختلفة دوراً بارزاً في التعبير عن الهوية الوطنية الأردنية، فعبر الموسيقى التقليدية، والمسرح، والسينما، وصناعة الفيلم الوثائقي والروائي القصير، يتم إيصال الرسائل الثقافية للأجيال الجديدة، وعلى سبيل المثال لا الحصر، تبرز الأغاني الوطنية مثل "موطني" و"يا بيرقنا العالي" و "على راسي الأردن والأردنية" و " بنحبك يا أردن" كمحفزات للمشاعر الوطنية الأردنية.

علاوة على ذلك يُعَدُّ الإعلام والاتصال الفعال والمتمرس منصة قوية رائدة وقاعدة أساسية من قواعد الحفاظ على الهوية الوطنية وتعزيز الانتماء، إذ تسهم البرامج الوثائقية، والمسلسلات التاريخية، والمهرجانات الثقافية، والمؤتمرات الثقافية في تعريف المواطنين بجذورهم الثقافية، فعلى سبيل المثال يعد مهرجان جرش للثقافة والفنون إحدى أبرز الفعاليات التي تحتفي بالفن الأردني خاصةً والعربي بشكل عام، مما يعزز التفاعل الثقافي والتواصل بين الشعوب العربية وعكس صورة إيجابية عن الهوية الأردنية.

ويعد الهاشميون بناة الدولة الأردنية ركيزة أساسية في الحفاظ على الهوية الوطنية الأردنية وتعزيزها، فمنذ تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية، حرص الملوك الهاشميون على دعم الثقافة الوطنية من خلال رعاية الفنون، وحماية التراث، وتعزيز دور اللغة العربية، وقد أسسوا العديد من المؤسسات الثقافية والتعليمية التي تسهم في ترسيخ الهوية الوطنية، مثل مجمع اللغة العربية الأردني، والجامعات الرسمية، ومركز التوثيق الملكي الأردني الهاشمي، و وزارة الثقافة، كما لعبوا دوراً كبيراً وبارزاً ومحوريا في الحفاظ على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، ما عزز مكانة الأردن كحامٍ للإرث العربي والإسلامي.

ومع تزايد تأثير العولمة وانتشار وسائل السوشيال ميديا بكافة أشكالها ومسمياتها، تواجه الهوية الثقافية الأردنية تحديات كبيرة تتطلب استراتيجيات واضحة وإجراءات معاكسة على أرض الواقع للحفاظ عليها وهذا يقع على عاتق المؤسسات الرسمية المعنية وأفراد المجتمع ككل ومن أبرز هذه التحديات:

الغزو الثقافي: إذ أسهمت وسائل الإعلام العالمية والتقنيات التكنولوجية الحديثة في نشر أنماط ثقافية مختلفة لها تأثيراتها على القيم المحلية، إضافة إلى التأثير اللغوي: إذ أن تزايد استخدام اللغات الأجنبية في مجالات التعليم والتجارة يهدد مكانة اللغة العربية، وأخيراً تراجع الاهتمام بالتراث: وتضاءل اهتمام الأجيال الجديدة بالتراث الثقافي في ظل التغيرات الاقتصادية والاجتماعية.

ولمواجهة هذه التحديات، يجب بذل المزيد من الجهود على نحو توسيع دائرة المشاركة الشعبية من خلال إتاحة فرص المشاركة في الفعاليات الثقافية والمهرجانات التي تركز على التراث والفنون المحلية على وجه الخصوص، علاوة على تعزيز المؤلفات المتعلقة بهذا الخصوص، وتحديث المناهج الدراسية التي تغرس القيم الوطنية في نفوس الطلبة، والتركيز على إطلاق مبادرات ومسابقات تشجع على القراءة والكتابة باللغة العربية، والاستثمار في صناعة المحتوى الإعلامي الهادف الذي يعزز الهوية الوطنية.

ختاما تعد الثقافة في الأردن درعاً رئيسيا يحمي الهوية الوطنية من الذوبان في التأثيرات الخارجية والهويات الأخرى، ومن خلال الاهتمام بالتراث، وتعزيز اللغة (اللهجة الأردنية)، ودعم الفنون والإعلام، والاستثمار بالشباب وتحقيق العدالة الثقافية في كافة مناطق المملكة يمكن للأردن أن يرسخ هويته الوطنية، ويواجه تحديات العولمة بثقة وثبات، مع التأكيد على أن الحفاظ على الثقافة الوطنية ليس مجرد مسؤولية الدولة ومؤسساتها الرسمية فقط، بل هو واجب وطني جماعي يتطلب مشاركة كل فرد في المجتمع، من خلال التمسك بالقيم والأخلاق الإنسانية والإسلامية الأصيلة، ودعم الإنتاج الثقافي، وتعزيز الوعي بأهمية الهوية الوطنية في بناء مستقبل مستدام للأردن، بالتزامن مع إنطلاق مشروع الدولة بمساراته الثلاث السياسية والإقتصادية والإدارية.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)