TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
دساتير من ورق، الدساتير العربية والسلطة السياسية
15/06/2021 - 11:45am

 

الدكتور عارف بني حمد

بمناسبة تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية في الأردن ، لتحقيق إصلاحات سياسية ودستورية ، وجدت من المناسب تسليط الضوء على نظرة الغرب للحياة الدستورية والسياسية في العالم العربي ، وأفضل من كتب بذلك الكاتب (ناثان براون) : كاتب أميركي يعمل أستاذاً للعلوم السياسية والشؤون الدولية ومدير برنامج الشرق الأوسط في جامعة جورج واشنطن، وهو متخصص في التحليل السياسي للنظم القانونية في الدول العربية ، وألف كتابا بعنوان " دساتير من ورق، الدساتير العربية والسلطة السياسية ". وبمطالعة الكتاب أبرز ما ذكره بروان :

- يعتقد أن فرص وجود حكم دستوري كامل في البلدان العربية ليست مشرقة، وأن الأنظمة السياسية بعيدة جداً عن دستورية الحكم الناضجة . مشيرا إلى أن الدساتير العربية لم تنشأ لتحقيق حلم الليبراليين أو الديمقراطيين العرب في خلق إطار قانوني لمساءلة ومحاسبة الحكام وإلزامهم بالقوانين، وإنما نشأت لدعم الدولة العربية الحديثة وإقرار ما هو كائن وليس بالسعي لما يجب أن يكون‏. ويرجع السبب لغياب مختلف القوى السياسية والإجتماعية المؤثرة عن عملية وضع الدساتير العربية والتي لا يبرز فيها سوى صوت الحاكم فقط .

- يكشف جانباً من الأزمة التي تعيشها الدول العربية عموماً في ما يتعلق بالسلطة السياسية، ومدى احترامها للمعايير الدستورية في الحكم، وقبولها بقواعد واضحة وحاسمة وشفافة لا يمكن تجاوزها، في مجال تداول السلطة وإحترام إرادة الشعب، ليصل في النهاية إلى نتيجة مؤداها أن هذه الدساتير الموجودة في البلاد العربية “من ورق” أي بلا قيمة حقيقية، ويطرح العديد من التساؤلات؛ منها: لماذا تكتب الدساتير في العالم العربي؟ وما هي الأغراض التي تهدف الدساتير إلى خدمتها؟ ولماذا يتم الحفاظ عليها ما دامت غير قابلة للتطبيق كممارسات دستورية؟ وما هي الأهداف التي تخدمها الدساتير إن لم يقصد بها تقييد السلطة ومسائلة ومحاسبة الحكام ؟ لماذا تواصل الدساتير تكاثرها فى العالم العربى المحرومة من الممارسات الدستورية؟

ويشير بروان إلى وجود ناشطين سياسين ومواطنين عاديين مقتنعين أن النصوص الدستورية ما هي إلا أوراق لا قيمة لها‏,‏ وليست سوي تعبيرات أنيقة يصدرها الحكام في محاولة لطمس الطبيعة غير المقيدة لسلطتهم‏ ، ومن هنا فإن الدساتير لم تكتب لتقييد السلطة‏ التنفيذية بل لتعزيزها .‏ كما أن السلطات التنفيذية نجحت في تجريد البنى الدستورية من قدرتها على ترسيخ أي قدر حقيقي من المحاسبة السياسية.

- النصوص الدستورية العربية تمنح السلطة للجهات التنفيذية أكثر مما تقيّدها، وهي تفعل ذلك ليس فقط من خلال النص صراحة على ذلك، بل أيضاً من خلال ما تصمت عنه، ومن خلال الفجوات وغموض النصوص. وهي مثلاً تعلن الفصل بين السلطات، ولكن بأسلوب يمكن الالتفاف حوله، كما تصمم الإجراءات مع وجود فجوات للهروب، في الحالات التي يصبح فيها الالتزام بها مزعجاً من الناحية السياسية . إما عن طريق قوانين الطوارئ والأحكام العرفية ، التي تعصف بالحقوق والحريات العامة، وإما عن طريق القوانين المقيّدة لإنشاء الأحزاب السياسية، والمقيّدة لحركتها في المجتمع، وكذلك لحركة مؤسسات المجتمع المدني، وأيضاً عن طريق القوانين المقيّدة للحريات العامة، كحرية التعبير وحرية الصحافة وحرية الاجتماع السلمي والتظاهر.

- أن الشعوب العربية تحولت من طرف في عملية المقايضة الدستورية تشارك مشاركة إيجابية في صياغة الدستور إلى مجرد متلقي لكل ما تجود به النظم العربية الحاكمة عليهم من وثائق دستورية تكرس الإستبداد وتبعد الحكام والسلطة التنفيذية عن المسائلة.

- الرقابة القضائية على نصوص الدستور لم تظهر حتى الآن كقوة دستورية فاعلة لعدم قدرة هذه المحاكم الدستورية على تحرير نفسها من الهيمنة السياسية عليها وهذا يقوّض سلطتها كجهة رقابية.

- تطرق لخمول البرلمانات في العالم العربي و أوضاعها الضعيفة سواء في بنيتها القانونية أو آلياتها المؤسسية، أو في علاقتها بسلطة الاعلام وتأثيراته، ويعزو الباحث ضعف البرلمانات الى الآليات الانتخابية وآليات الفعل السياسي - أحزابا ومستقلين - سواء في أنظمة الحزب الواحد أو في ظل التعددية الحزبية. وفي الإطار العام تم السيطرة على البرلمانات العربية من قبل السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية ، لتصبح أكثر من مجرد كيانات للموافقة على القرارات الحكومية.

وعلى الرغم من وجهة نظر بروان المتشائمة إلا أنه يعتقد بأن فرص التطوّر باتجاه مبدأ الدستورية وأن تصبح نظم الحكم العربية أكثر دستورية، يتطلب تعزيز الاستقلال الذاتي للبنى الدستورية، وخاصة البرلمانات والرقابة القضائية الدستورية.

حيث تحدث عن آليات للتعامل مع الوثائق الدستورية التي تكرس استبداد الحكام والسلطة التنفيذية وترفعهم عن المسائلة، ويضع في مقدم هذه الآليات البرلمانات كوسيلة للمقايضة الدستورية، كذلك القضاء ممثلا في المحاكم الدستورية العليا، ويرى أن القضاء قادر عن طريق تفسير النصوص الدستورية أن يفرض قيودا حقيقية على السلطة التنفيذية ، تؤدي الى اشاعة مبدأ الدستورية بشرط أن يتم عزل القضاء عن التأثر باللاعبين السياسيين ، معللا ذلك بأن انخراط القضاء في اللعبة السياسية يفقده القدرة على تأويل نصوص الدستور لمصلحة مبدأ الدستورية.

والله من وراء القصد

 

 

 

 

 

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)