TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
دروس مُستفادة من الحرب الإسرائيلية على غزة
29/08/2024 - 1:15pm

طلبة نيوز - د. أحمد بطَّاح
المتابع للحرب الإسرائيلية على غزة يستطيع أن يلاحظ بوضوح أنّ هنالك عدة دروس يمكن تعلمها من خلال هذه الحرب التي ما زالت مستمرة ولعلّ أهم هذه الدروس:
أولاً: أنّ الولايات المتحدة ما زالت تتربع على عرش العالم، وما زالت هي القوة الكونية النافذة التي لا تستطيع أيّ قوة أخرى أن تنازعها هذه المكانة، فهي قد دعمت إسرائيل دعماً غير محدود وغير مسبوق، ولم تسمح لأيّ قوة أخرى عالمية (كروسيا والصين مثلاً) بأن تتدخل ويكون لها دور حقيقي في كبح الصراع أو تأجيجه، بل وحتى على المستوى الإقليمي -ورغم وجود بعض القوى الإقليمية المناوئة لها كإيران مثلاً- استطاعت الولايات المتحدة أن "تضبط" المنطقة وأن تحول دون نشوب حرب اقليمية واسعة لا تجد أنها أنّ من مصلحتها وبالذات في هذه السنة الانتخابية.
ثانياً: أنّ الدول الأوروبية الكبرى المهمة (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا) ما زالت حليفاً وثيقاً لإسرائيل، فرغم كل الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في قطاع غزة، ورغم خروج مظاهرات عديدة في عواصم هذه الدول ضدّ الحرب، إلّا أنها ظلت تورّد الأسلحة إلى إسرائيل (وبالذات ألمانيا وبريطانيا)، وما زالت تقف معها في المحافل الدولية (وصل الأمر بألمانيا إلى أن تقف مع إسرائيل في محكمة العدل الدولية)، ورغم أن بعض الدول الأوروبية كإسبانيا والنرويج وغيرهما اعترفت "بالدولة الفلسطينية" إلّا أنّ الدول الأوروبية الرئيسية الكبرى المُشار إليها آنفاً ظلت تقف مع إسرائيل بدون أيّ تحفظ يذكر اللهمّ إلّا إصدار بعض البيانات الإنشائية التي لا تقدم ولا تؤخر!
ثالثاً: استمرار حالة الاستقطاب في المجتمع الإسرائيلي فمع أنّ الرأي العام الإسرائيلي ما زال مع استمرار الحرب إلّا أنّ الخلافات في هذا المجتمع ما زالت مستعرة بين اليمين السياسي الإسرائيلي مُمثّلاً في الليكود (نتنياهو وجالانت)، وحزب العظمة اليهودية (بن غفير)، وحزب الصهيونية الدينية (سمورترش) من جهة وبين أحزاب الوسط كحزب يُوجد مستقبل (يائير لبيد)، ومعسكر الدولة (بني غانتس) من جهة أخرى، ويبدو موقف "الحريديم" (المتدينون اليهود) الذين يرفضون الخدمة في الجيش الإسرائيلي لافتاً حيث يشكل هؤلاء حوالي 13% من الإسرائيليين ولكنهم يكادون يشكلون مجتمعاً توراتياً خاصاً بهم ويقف على النقيض في توجهاته مع "العلمانيين" الإسرائيليين الذين يتمسكون بهوية الدولة ذات الطابع الديمقراطي الليبرالي المتماهي مع الأنموذج الغربي.
رابعاً: استمرار الانقسام الفلسطيني وبالذات بين السلطة الوطنية الفلسطينية التي تتزعمها فتح وتتبنى "النهج السياسي" لتحقيق أهداف المشروع الوطني الفلسطيني وبين حركات المقاومة (حماس والجهاد وغيرها) التي تتبنى نهج "النضال المُسلّح" ضدّ الاحتلال الإسرائيلي وصولاً إلى تحقيق آمال الشعب الفلسطيني في التحرر والاستقلال.
لقد كان مُتوقعاً في ضوء نتائج معركة "طوفان الاقصى" في السابع من أكتوبر أن تتوحد الفصائل الفلسطينية في وجه الحرب الإسرائيلية الهمجية على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، وأن تجد بينها قاسماً مشتركاً وبخاصة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ولقد شهدنا اجتماعات لهذه الفصائل في موسكو وبكين وغيرهما ولكنها للأسف لم تتمخض عن محصلة حقيقية تُبرز ممثلاً واحداً للشعب الفلسطيني يتكلم باسمه، ويعبّر عن قضاياه بحيث يفهم العالم أن هناك شعباً فلسطينياً واحداً بقيادة واحدة وأهداف واحدة، الأمر الذي سيُكسب القضية الفلسطينية مزيداً من الدعم والتأييد وعلى جميع المستويات الإقليمية والدولية.
خامساً: ثبات حالة الشلل التي يتّسم بها الموقف العربي وعدم تطوره مع تطور مُجريات الحرب على قطاع غزة فقد اقتصر هذا الموقف على إصدار بيانات الشجب والإدانة وتقديم بعض المساعدات الإنسانية إلى أبناء الشعب الفلسطيني ولكنه لم يتطور (وبرغم عقد مؤتمر القمة العربي والإسلامي) إلى موقف سياسي مُوحّد يضغط على إسرائيل وعلى الولايات المتحدة من أجل وقف حرب الإبادة الجماعية على غزة وما انطوت عليه -وبشكل غير مسبوق- من تهجير، وتدمير، وتقتيل، وتجويع، والمؤلم في الموضوع أنّ معظم الدول العربية لها علاقات جيدة مع الولايات المتحدة وتستطيع أن تضغط عليها من أجل وقف الحرب والبدء بإجراءات سريعة وواضحة من أجل تطبيق "حل الدولتين" الذي تتبناه الشرعية الدولية ومفاده إقامة دولة فلسطينية على أراضي الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
سادساً: عجز الهيئات الدولية مُمثّلة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، والأونروا، ومنظمة الصحة العالمية، ومجلس حقوق الإنسان، ومحكمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية عن لَعِب أيّ دور فعلي يوقف الحرب الإسرائيلية على غزة أو على الأقل يُلزمها ببعض قواعد الحرب التي توافقت عليها معظم دول وشعوب العالم كعدم استهداف المستشفيات، والجامعات، والمدارس، والمعابد وغيرها.
لقد نددّت كل هذه الهيئات بالتجاوزات الإسرائيلية ولكنها للأسف لم تفلح في وقف هذه الحرب بكل تجلياتها اللاإنسانية التي يشاهدها العالم كل يوم، وهذا عائد بالطبع إلى أنّ القوة هي التي تفرض نفسها (Might is Right) والقوة هنا تمارسها إسرائيل بغير حدود وقواعد واخلاقيات تدعمها في ذلك الولايات المتحدة التي لا تجد غضاضة في أن تمارس إسرائيل كل ما تراه مناسباً من سياسات لتحقيق أهدافها ما دام أنه ليس هناك قوى أخرى منافسة تستطيع أن تقدم دعماً مهماً للجهة المقابلة.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)