TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
حال التعليم العام وسبل الارتقاء
11/03/2023 - 11:45am

د. أحمد بطَّاح
إن من نافلة القول الإشارة إلى أن التعليم كان أحد الركائز الهامة التي تأسست عليها الدولة الأردنية ، وإن من المؤكد أن المسؤولين وعلى كافة المستويات يبذلون كل ما يستطيعون للحفاظ على مستوى التعليم والارتقاء به ، ولكن المؤسف هو أن هناك جملة مؤشرات لا تخطؤها العين تدل على أن التعليم العام لا يرقى إلى المستوى المطلوب وفقاً للمعايير العالمية ، ويدل على ذلك ما تنبئنا به نتائج الاختبارات الدولية مثل ( Pisa , Timmss ) ، وتفاقم ظاهرة التدريس الخصوصي ، وأوضاع المدارس المستأجرة ومدارس الفترتين فضلاً عن القناعة الشائعة بأن من يريد أن يضمن تدريساً أفضل لأبنائه فلا بد له من إرسالهم إلى مدراس خاصة .....ولكن ما العمل؟ كيف يمكننا أن نتجاوز هذه المرحلة بحيث يعود التعليم العام إلى ألقه السابق ؟
إن هناك جملة آليات لا بد من الأخذ بها لكي نصل إلى النتيجة المبتغاة وهي :
أولاً : إعادة النظر في العائد المادي للمعلم ورفعه إلى المستوى المعقول الذي يمكنه من العيش بكرامة ويضمن له المكانة الاجتماعية اللائقة به. إنني أعي أن هذا قد يكلف موازنة الدولة الكثير ، ولكن لا بد مما ليس منه بد إذا أردنا الارتقاء بالتعليم العام .
ثانياً : تدريب المعلم وتأهيله انطلاقاً من أن التعليم مهنة يجب ألا يمارسها إلا من كان راغباً فيها ، ومن كان معداً بطريقة علمية منهجية لأدائها ، وللأسف فإن أعداداً قليلة من المعلمين هي التي يتم تدريبها الآن سواء من قبل وزارة التربية والتعليم أو أكاديمية الملكة رانيا ، أو كليات التربية في الجامعات الأردنية . إن العدد الضخم من المعلمين يحتاج إلى نظرة مختلفة لهذا الموضوع تنتهي إلى تصميم برامج تدريبية تشمل قطاعاً كبيراً من العاملين ، ومن الراغبية في الانتساب إلى المهنة .
ثالثاً : إعادة " شرعنة " نقابة المعلمين مع إلزامها بالقيام بدورها المتعارف عليه وهو الحفاظ على مستوى المهنة ، والدفاع عن حقوق المنتسبين لها . إن شعور المعلمين بأن لهم نقابة تدافع عن حقوقهم ، ولديها برامج ونشاطات تساعد من خلالها في الارتقاء بمهنة التعليم أمر غاية في الأهمية بالنسبة للمعلمين المحبين لمهنتهم ، والراغبين في الالتحاق بها ، والطامحين إلى تطويرها .
رابعاً : تعبئة المجتمع الأردني من أجل المساهمة في التغلب على المشكلات المزمنة التي تعيق أداء المدارس لرسالتها التربوية كالمدارس المستأجرة ، وذات الفترتين ، والواقع أنه يجب أن تتكون هناك حملات منظمة تستنفر المجتمع الأردني ( وبالذات الشريحة القادرة منه ) للمشاركة في بناء مدارس جديدة ، وصيانتها ، وتزويدها بالمستلزمات المختلفة .
إن المجتمع الأردني راغب وقادر على بذل ما يستطيع في هذا المجال ، ولكنه يحتاج إلى من يخاطبه ، ومن ينظم جهده .
خامساً : توثيق العلاقة بين المدارس العامة والمدارس الخاصة وابتكار آليات وطرائق للتعاون فيما بينها ، ليس فقط من خلال مديرية التعليم الخاص في وزارة التربية والتعليم ، بل من خلال علاقة مدروسة ومنهجية بين القطاعين ( العام والخاص ) تخلص إلى سبل ومناهج عمل تجعل كلا القطاعين يفيدان (على صعيد تبادل المعلمين ، واستخدام مرافق مدرسية ، تعرف مناهج حديثة ) ، ويدعمان بعضهما وصولاً إلى تعليم وطني واحد جيد المستوى ، وليس كما هو حاصل : تعليم عام متراجع مقابل تعليم خاص جيد نسبيا ، الأمر الذي قد يؤدي إلى نخبوية في المستقبل .
سادساً : إحكام الصلة بين وزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي على أساس أن مدخلات كل منهما هي مخرجات للآخرى والعكس . إن ذلك لا يعني الدمج التنظيمي بين الوزارتين بل يعني النظر إلى العملية التعليمية ككل متكامل من الروضة إلى السنة الجامعية الأخيرة وذلك على صعيد فلسفة التعليم ، وأهدافه ، ومناهجه ، وسبل تقويمه .
إن من الواضح أن السبيل إلى تحقيق جودة التعليم العام طويل وشامل ومكلف مادياً ، ولكن نظراً لحيوية التعليم وكونه المنطلق إلى تحقيق التقدم الاجتماعي فإنه أمر لا بد منه ، ولا بد من إعطائه الأولوية على كل مجال آخر فالأمم التي تقدمت بل وحرقت مراحل في تقدمها كسنغفاورة ، وماليزيا ، وفنلندا ، وكوريا الجنوبية لم تحرز ما أحرزت إلا باعطاء الاولوية للتعليم والايمان بانه رافعة التقدم والازدهار.
باختصار مالم نغير الظروف الموضوعية التي تسببت في تراجع التعليم العام فإنه لا أمل في رفع سويته ، ولعل ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا بجهود مجتمعية يتكافل فيها القطاع العام والقطاع الخاص وصولاً إلى الهدف المنشود .

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)