TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
ثلاثون يوما في الحظر: يوميات أستاذ جامعي في زمن الكورونا!
18/04/2020 - 11:15pm

د. خليل شحادة القطاونة

... اتصل بي أحد الزملاء، وهو أستاذ جامعي، قائلا: هل اطلعت على قانوني الدفاع 7، و8؟ فقلت له، نعم. فقال، وهل نحن من منظور هذين القانونين على رأس عملنا أم نحن معطلون؟ فقلت له: قد يحتاج الأمر إلى تفسيرا! فقال: وهل القانون أقوى من أخلاقيات المهنة؟ قلت له، لا طبعا. فقال: ولم التفسير إذن؟ ضحكت قليلا، لأهدئ من روعه، وقلت لعلنا نستنبط ما يدور في رأس المشرع. فقال: لن أغفر للمشرع أي خطأ في هذا الموضوع. وهذه يومياتي خلال أزمة كورونا أضعها بين يديكم، لتحكموا إن كنت عاملا فاعلا خلال الأزمة أم نائما حائرا. فقلت، أنا شغوف بحديثك، فهات ما عندك!
يقول الأستاذ في مطلع حديثه، قبل أسبوعين أو أكثر من اندلاع أزمة كورونا في الأردن وتسجيل أول حالة إصابة، ساورني الشك حول وصول هذه الآفة إلينا وحتما توقعت أنه سيكون هناك إجراءات حكومية في مكافحة هذه الأزمة. وبدأت أتخيل ما يمكن أن يكون عليه الوضع في الجامعة، وكيف سيكون حال طلبتي، وأبنائي، وحالي أنا فيما لو تم تعطيل أعمال الجامعة والمدارس مع باقي مؤسسات الدولة، كما فعلت بعض الدول التي أصابتها آفة الكورونا قبلنا.
ويضيف: وأذكر أنني تحدثت بصوت عال مع بعض الزملاء المسؤولين في الكلية، وقلت لهم حرفيا: وردني أن الحكومة تجهز بعض الخطط البديلة ومنها وزارة التربية والتعليم، وأنه علينا، أن نبدأ في التفكير في مثل هذا. في تلك اللحظة لم يأخذ الزملاء الأمر على محمل الاهتمام، لكن عاد لي أحدهم بعد ساعة ونيف قائلا، نعم ما ذكرته قد يكون صحيحا، وأعتقد أن الأمور تتجه نحو تعطيل مؤسسات الدولة ومنها الجامعات والمدارس، لكن علينا الانتظار قليلا... ويضيف الزميل : وبغضون أسبوع أو أقل وقع على أسماعنا – شيء لم نألفه من قبل، ولا يقع إلا في الحروب والانقلابات العسكرية في بلدان العالم المضطربة – شيء اسمه : البيان رقم 1 أو القانون رقم 1، القاضي بتعطيل أعمال المؤسسات الحكومية وتوابعها مع استمرار التواصل عن بعد مع الطلبة، وخاصة الخريجين منهم.
ويتابع الزميل الأستاذ قوله: وهنا بدأنا نشعر بجدية الأمور، وبدأت أبحث مع طلبتي وزملائي عن احتمالية تعليق الدراسة بسبب الظرف الوبائي، وبدأت أفكر بصوت عال عن تطبيقات حاسوبية تمكننا من إدامة العمل مع الطلبة وخاصة الخريجين بحيث نحافظ على مصلحتهم فيما لو استمرت الأزمة. فعثرنا بجهد وعناء على بعض التطبيقات المجانية (رغم محدودية ميزاتها) التي تمكننا من التواصل مع طلبتنا، وحددنا تطبيقين: الأول لإدارة المحتوى (غير متزامن) والثاني متزامن لتنفيذ وشرح المحتوى. تشاورنا مع زملائنا المختصين، وأقروا فاعليتهما كبديل متاح للتعليم الاعتيادي! ثم قمنا بتفحص هذه التطبيقات، والتسجيل فيها، والتدرب والتدريب عليها للزملاء والطلبة على حد سواء.
تداعينا معا وبالتنسيق مع إدارات الجامعة للتدريب الذاتي، وتدريب بعضنا بعضا على هذه التطبيقات وما تيسر منها أيضا، آخذين بالاعتبار سهولة استخدامها من قبل جماهير الطلبة، الذين لا يملك بعضهم لا أجهزة خلوية، ولا حواسيب (لابتوب)، وبعضهم لا يعرف من الحواسيب سوى اسمها (هذا ليس ادعاء رغم غرابته في هذا الزمن)، كما يذكر الزميل.
ويضيف: في الأسبوع الأول من تعطيل الجامعات والمدارس، عدنا لبيوتنا، وأمّنا أنفسنا بالانترنت قبل الخبز وعلى حسابنا الخاص، لإدامة عملنا عن بعد، ولأولادنا الذين نصفهم طلاب جامعة والنصف الآخر على مقاعد المدرسة، وبدأنا رحلة التعلم لأنفسنا، والتعليم عن بعد لطلابنا، ولأولادنا. حقا، كانت مسؤولية عظيمة لمن أدركها. فننفذنا جميع محاضراتنا في الأسبوع الأول، وتفقدنا طلبتنا، الذين غابت منهم نسبة تفوق الربع في بعض المحاضرات، وخاصة طلبة السنة الأولى، وتفهمنا مشكلاتهم، وحاولنا تلطيف الأمر، واتبعنا طرقا جديدة لاحتواء الأمر، واطلق كل مدرس مجموعات الواتس للتواصل السريع مع طلبته في جميع محاضراته لتشجيع الطلبة على الدخول إلى منصات التعلم، وإرسال روابط المحاضرات لهم محاضرة بمحاضرة.
وذكر أيضا، ... كانت الجامعات تقوم بورش التدريب القصيرة للمدرسين وتصدر التوجيهات، وما تيسر من خيارات تقنية، لدعم التعليم عن بعد، وعمل نماذج المتابعة لواقع العملية التعليمية، وبدأ الحراك في جمع المعلومات من كل مدرس عن كل محاضرة وعدد المسجلين فيها وعدد الحضور، والتطبيقات المستخدمة في كل منها، والأسباب، والبدائل! لقد تحسن الأمر في التعليم عن بعد – كما يروي الزميل - وقد نفذت بعض المحاضرات بنسبة ١٠٠٪ في مستوى الدراسات العليا، والشعب قليلة العدد، من طلبة البكالوريوس والدبلوم، والدبلوم العالي.
لقد بدأ الجميع ينحو نحو التجارب الناجحة، وتعزيزها، والاستفادة من بعضهم بعضا. كما تحسنت مهارات الطلبة بشكل ملحوظ في استخدام التقنيات، واستخدام آليات التحكم باللقاءات من ميكرفونات وكاميرات، واستقبال المواد التعليمية على المنصات غير المتزامنة، وحل الواجبات، و بدأت المحاضرات تجري بشكل ممتاز، والتفاعل كما هو في غرفة الصف، وزادت التطبيقات والحلول ... وظهر تقرير التعليم الالكتروني في نهاية الأسبوع الثاني بحال أفضل من الأول.
ويزيد أستاذنا الرائع: وبالتوازي، كنت أتابع تعليم أولادي محاضرة بمحاضرة، ودرسا بدرس، رغم اختلاف أنماط المعيشة داخل البيت، وازدياد حالة الحظر العام، وارتفاع صوت صفارات الإنذار في الساعة السادسة، والتجمهر أمام التلفزيون الساعة الثامنة لمعرفة نجاعة أساليب مكافحة الآفة الشريرة .
ويضيف، وتكر الأسابيع، وتتمدد العطلة، ويضيق الحصار، ويصبح طابور الخبز أكبر التحديات لأنني كنت أخشى أن يمنعني طابور اللقمة من فوات وقت المحاضرة ... طلبتي ينتظروني بلهفة وفضول عجيب ... يذكروني باللقاء بألف رسالة قبل الوقت، وينتظرون إجاباتي غير الشافية عن الامتحانات، والعلامات، وتوقعاتي لانتهاء الأزمة، وما رأيي بإيجابية الحكومة غير المعتادة، وهل أعرف سعد جابر، والعضايلة، وهل سيصدان الفيروس عنا؟ أسئلة توجه لي تعجز الحكومة برمتها عن تقديم إجابات شافية لها، لكنهم تعودوا أخذ الإجابات الشافيه مني، والغريق يتشبث بقشة.
ما انتهت مدة الحظر الأول دون اجتماعات إدارية وفنية للقسم والكلية ولجان الدراسات العليا بوسائط التواصل المرئية التي بدأت مبكرا جدا لإدامة التواصل، وتلاقح الأفكار، ووقف الجفاف الاجتماعي الذي فرضته الأزمة. لا ليس هذا فحسب، يضيف الزميل، بل انخرطت بعمل بحث علمي فردي عن التعليم عن بعد، مع الالتزام بالمحاضرات في مواعيدها، ومتابعة تعليم الأولاد يوما بيوم، وساعة بساعة، ومتابعة قراءة وتصحيح مخططات الرسائل لطلبة الدراسات العليا دون انقطاع أو تأخير إلا ما ندر، وبسبب عدم وضوح الرؤية نظرا لطبيعة الأزمة.
أما أولادي فكانوا يستغلون وجودي بينهم وقت الطعام وخاصة الوجبة الوسطى التي تتصادف مع اطلاق صفارات الإنذار- لا أعرف لماذا حقيقة ولكن ربما لإنشغالنا بالتعلم والتعليم والنوم الصباحي الذي يأتي بعد ليلة طويلة من العمل الجاد والدؤوب - ولكن ربما لتذكيرنا ببعض التفسيرات لأزمة كورونا ... وتهطل الأسئلة عليّ مع إيقاع الملاعق والصحون ... وتشتد مع وصول الفلفل والبصل الأخضر، ليتوقف الجميع عن الأكل لبرهة، للاستماع لرأيي في نظريات 5G ، وارتدادات التكنولوجيا، وارتباطها بالكورونا ودور الليبراليين الجدد في السعي للسيطرة على العالم من خلال فيروس كورونا ... وتعارض الحظر مع مبادئ الديمقراطية ... ولكي أجد مخرجا من بعض هذه الأسئلة الحرجة والعميقة أبادر أنا بتحويل السؤال: عن طبيعة الفيروس كوفيد-19 وتحولاته، ولماذا أخذ الرقم 19 وهل هذا يعني أننا بصدد استقبال كوفيد 20 و30 و ... ثم أباغت الجميع بالوصية المكررة: يالله، شوفوا شغلكم ، يا جماعة.
يلملم أولادي بقايا الأسئلة كما يجمعون باقي فضلات الطعام عن طاولة الطعام، وفضولهم يصدر معهم بعطش، ويمضي كل منهم إلى طاولته، وعمله ... بهدوء، وهدنة مع النفس سرعان ما يتم اختراقها من أحدهم الذي يريد أن يستأثر بأفضل مكان في البيت لالتقاط إشارة الإنترنت، أو بالراوتر المتنقل ... وهنا أتدخل في حل النزاع المستمر على إشارة الإنترنت المشاع ... يقول الزميل، وما يزال السؤال المحموم لا يغادر ذهنيتي، حتى وأنا أبسط سجادة صلاة المغرب – هل أديت مسؤولياتي بأمانة وإتقان مع طلبتي وأولادي فيما يخص التعليم عن بعد، أم ... حتى أدخل بتكبيرة الصلاة جهرا، الله أكبر ...؟
كان هذا آخر ما باح به الزميل في حديثه معي بعد مضي أكثر من 30 يوما على هذا الحظر في المنزل في زمن كورونا كوفيد-19 !

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)