TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
ثقافة العنف تجتاح المنطقة *أ.د. محمد القضاة
28/09/2014 - 3:30pm

طلبه نيوز
بحار من الدماء وشلالات حمراء تزكم المنطقة وكأن العالم يختصر في العالم العربي والناس في هول الأسئلة لا يدرون من أي منفذ يخرجون، وإذا نظرت في وجوههم تجدهم في ذهول مستطير ؛ لأن مستقبلهم مرهون بسياسات غير واضحة أقل ما يقال فيها أنها لا تعكس أي حالة إنسانية؛ وكأن شعوب المنطقة حقل تجارب سوق السلاح، وأي سلاح كل ما تنتجه مصانع الغرب يجب ان يجرّب في المنطقة، ولأن العربي أصبح في سوق المزاد لا يساوي رصاصة فالأمر مقدور عليه، ودون ذلك كم من الأمنيات والأحلام النرجسية! وما يجري في منطقتنا يشيب له الولدان، وما نعاينه صباح مساء لا تستطيع الأقلام ان تكتبه ولا حتى الصور ان تنشره لكثرته وشدة آلامه، فلماذا كل هذا العنف، مَنَ المستفيد مِن انتهاء حالة الاستقرار والأمن في العالم العربي، لماذا ينتشر العنف بهذا الكم؛ خاصةً في العراق وسوريا ومصر وتونس والباكستان والصومال والسودان وفلسطين والعراق ولبنان وافغانستان واليمن؛ وكأن المنطقة تنتقل من فوهة بركان إلى أخر وأن العنف هو الاساس، ولماذا تتفاقم هذه الظاهرة بهذا الاتساع؛ إذ لا تكاد تمر ساعة دون أن نسمع عن حالة هنا أو هناك، وحين تقرأ الأسباب تضع يدك على قلبك من الشرر الذي يتطاير في كل مكان.
وتعود إلى السؤال المفصلي من المسؤول عن هذه الجماعات المتطرفة؟ من الذي تركها تتوالد وتتسع؟ من الذي فتح لها الباب في العراق وسوريا؟ من الذي سلم اسلحة اربع فرق عسكرية في العراق لداعش دون قتال؟ ومن الذي يفتح الباب ويغلقه امام هذا التطرف؟ أسئلة حيرى وشعوب أكثر حيرة؟! ومن ومن؟ هل هو السلوك السياسي السلبي الذي يلف دول المنطقة، هل هي المشكلات الاقتصادية وما رافقها من افلاس وفقر وبطالة وصراع على القوت والطعام، أم الحروب والاحتلال الذي ترفضه كل شرائع الدنيا ، أم الشعوب التي ارهقتها ظروف السياسية القاسية، أم التفاوت الاجتماعي والاقتصادي، أم التحكم في اقدار الاخرين، أم التطرف الذي تقوده جماعات لا تفهم من الدين غير الدم والقتل، فضلا عن الخلل في العلاقات الانسانية وما يرافقها من تسلط وقهر وعنصرية وجاهلية عمياء.
ثقافة العنف لم تقتصر على شلال الدماء وآثاره الكارثية على البنية التحتية لدول المنطقة؛وإنما له آثاره الصادمة في المجتمع والبيت والمدرسة والجامعة، وها هو ينتشر في البيت والمدرسة والشارع والجامعة وفي كل مكان، ينتشر بين الأفراد، وبين الفرد والمجتمع ويمتد الى ارجاء المجتمع والسبب فقدان الحوار الحر والمسؤول في الأسرة وفي المؤسسة وبين الافراد، وتجده ينتقل من جيل لأخر انتقالاً آلياً دون أدنى إحساس بالمسؤولية، وهنا تنتشر ظواهر الكذب( كله يكذب على كله) والكذب المضاد والنفاق والإدعاء والنرجسية وحب الذات والخداع والظلم ، والعلاقات المزيفة بين الناس وعدم التكافؤ الاجتماعي بين الزوجين مما يشكل ساحة للعنف ضد المرأة حيث يفضي إلى اجواء مشحونة بمشاعر العنف مما يؤدي الى عنف في التربية فالأم المقهورة لا تستطيع السيطرة على أطفالها ولا تستطيع الإجابة عن أسئلتهم، وكيف سيذهب هؤلاء إلى مدارسهم؟ ولذلك تتسلسل ثقافة العنف وتصل الى عنف اجتماعي يأتي على كل شيء، تنهار معه ثقافةُ الحوار والاختلاف والقبول بالآخر تحت وطأة ثقافة العنف، ويغدو المجتمع مفتوحًا على الاحتمالات كلها، وحينها يعيش في الرعب والخوف السَّجَّان والسجين، ويصبح السِّلم الاجتماعي استثناءً وشذوذًا بل يغيب في غياهب الجب، ومع ذلك نرى العنف يتجذر في مجتمعاتنا العربية، وبالتالي لا يمكن للقوانين وحدها أن تردع العنف دون إعادة النظر جذريا في البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمؤسسية ونشر ثقافة الشفافية وحقوق الإنسان حتى لا يبقى سؤال العنف متى وكيف نخرج من حلقته المجنونة؟ وبعد لا بد من محاربة الفساد باشكاله كلها وتأصيل الديموقراطية وثقافة حقوق الإنسان وتبني مفهوم جديد للمواطنة وتعزيز التنوع والحرية وتجديد الداخل والانفتاح على الخارج بعيدا عن وصفات قصيري النظر الجاهزة والآراء الغائمة؛ لأن العنف لا يترك مجالا للاستقرار والحياة الآمنة، فهل نقرأ بعمق رسائل العنف التي تقض مضاجع العالم ونتحرك في الاتجاه الصحيح قبل أن نترك لغول الغلاء أن يفتك باستقرارنا الاجتماعي والإنساني، والأمل بالله أن يحفظ وطننا وأهلنا من كل سوء.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)