TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
تصنيفات الجامعات بين الرصانة و العبثية
11/10/2025 - 7:30pm

أ.د. هاني أحمد أبو قديس
ما حفزني للكتابة حول هذا الموضوع، الضجة التي أثيرت و الجدل الذي دار مؤخرا حول التصنيفات الجامعية و مدى مصداقيتها و انسحاب بعض جامعاتنا الأردنية من أحد التصنيفات العالمية للجامعات و ما سبق ذلك من تصريحات لمعالي وزير التعليم العالي حول نفس الموضوع.
يعتبرموضوع التصنيفات العالمية للجامعات من المواضيع الحديثة نسبياً و الذي بدأ منذ عقدين من الزمن بتصنيف شنغهاي. و يستحوذ هذا الموضوع على الكثير من الجدل و النقاش في الأوساط الأكاديمية. و على الرغم من هذا الجدل الدائر حول التصنيفات و أهميتها و موضوعيتها و مصداقيتها، الا أن هذه التصنيفات أصبحت ظاهرة تستقطب اهتمام ادارات الجامعات و صناع القرار في الحكومات، و الطلبة و أولياء أمورهم. فقد أصبح ترتيب الجامعات في التصنيفات العالمية أحد المعايير للحكم على نقاط القوة و الضعف لهذه الجامعات و برامجها و خريجيها، وبالتالي حصولها على فرص التمويل و استقطاب الطلبة و خلق الشراكات مع المؤسسات و الجامعات المرموقة حول العالم، حتى أن بعض الجامعات أصبحت تشترط لابتعاث المبعوثين أو لتعيين أعضاء الهيئة التدريسية أن يكون المتقدم للبعثة أو للتعيين خريجا من جامعة مصنفة ضمن أول مائة جامعة على مستوى العالم.
و عالمياً، زادت أنظمة التصنيفات للجامعات مؤخراً، حيث وصل عددها الى ما يزيد عن 20 تصنيفاً. و تعتمد هذه الأنظمة مجموعة من المعايير للتصنيف تختلف من حيث الوزن من نظام لاخر، بحيث يتم الوصول الى قوائم تمنح الجامعات ترتيباً معيناً ضمن أول خمسمائة جامعة على مستوى العالم أو ألف أو يزيد. و قد تفنن القائمون على هذه التصنيفات في تنويع تصنيفاتهم و أشكالها و فئاتها، فهنالك التصنيفات للجامعات بناء على الأداء الأكاديمي و مساهمة هذه الجامعات في البحث و التطوير و نسبة عدد أعضاء الهيئة التدريسية للطلبة، و كذلك البعد الدولي المعتمد على عدد الأساتذة و الطلبة الأجانب و مدى حصول خريجي الجامعة على فرص في سوق العمل. و هنالك تصنيفات أخرى للجامعات الخضراء الصديقة للبيئة و أخرى تصنف الجامعات بناء على حضورها على الشبكة العنكبوتية العالمية من خلال مواقعها الالكترونية و لا نستغرب قريبا اذا ما ظهر تصنيف جديد يعنى بملكة جمال الجامعات.
و حتى تبقى حمى التصنيفات قائمة على مدار العام، فقد نحى بعض القائمين على هذه التصنيفات الى ايجاد تصنيفات فرعية بالاضافة للتصنيف الرئيس، تتعلق بتصنيف و ترتيب الجامعات التي تقع ضمن منطقة جغرافية معينة، كالتصنيف الخاص بالجامعات العربية أو تصنيفات للجامعات حسب عمرها الزمني، فهناك تصنيف للجامعات الفتية و الشابة والتي عمرها أقل من 50 سنة و أخرى للجامعات الأقدم. و كذلك فقد تم مؤخرا ظهور تصنيف فرعي جديد يتعلق بمدى التزام الجامعات بأهداف التنمية المستدامة. و على الرغم من تعدد و تزايد هذه التصنيفات و اختلاف المعايير المستخدمة في التصنيف، الا أن القاسم المشترك بينها اعتمادها معايير كمية لتحديد مكانة الجامعة.
و في كل مرة تصدر نتائج أحد هذه التصنيفات تقوم الدنيا عندنا و لاتقعد، حيث تعتبر بعض الجامعات أن تقدمها و لو بدرجات قليلة على سلم التصنيف أو حتى التقدم في أحد معايير التصنيف انجازاً خارقاً. و في المقابل، تنبري مجموعة من الكتاب و الأكاديميين لنقد الجامعات الأردنية لحلولها في مراتب متأخرة مقارنة بنظيراتها من الجامعات في الدول الأخرى. و تعود بي الذاكرة الى الشهر الثالث من العام 2016، حيث عقدنا في جامعة العلوم و التكنولوجيا الأردنية تحت رعاية وزير التعليم العالي و البحث العلمي آنذاك ندوة تحت عنوان "الجامعات الأردنية و طريقها الى العالمية" حضرها رؤساء الجامعات الرسمية و الخاصة و رئيس هيئة الاعتماد ومدير صندوق البحث العلمي و مجموعة من الأكاديميين من الجامعات الأردنية، و كان الهدف من عقدها تبادل الخبرات و تنسيق و تنظيم جهود الجامعات الأردنية، لخوض غمار التصنيفات العالمية من أجل تبوأ مكانة متقدمة على سلم هذه التصنيفات، من خلال وضع خارطة طريق و توصيات تخدم أهداف الجامعات الأردنية في الوصول الى العالمية. واستعرضت جامعتا العلوم و التكنولوجيا الأردنية و الجامعة الأردنية كونهما أول جامعتين ظهرتا على جداول التصنيفات العالمية منذ العام 2011 مسيرتهما في مجال التصنيف و العقبات و التحديات التي تقف في طريقهما و سبل تجاوزها. و قد تم التأكيد في هذه الندوة على أن التصنيف بحد ذاته يجب أن يكون وسيلة و ليس غاية، و أن تبوأ أي جامعة أردنية مركزا متقدما على سلم التصنيفات هو مبعث فخر و اعتزاز للوسط الأكاديمي الأردني. و كانت إحدى توصيات الندوة وضع تصنيف خاص بالجامعات الأردنية و العربية، و هو الأمر الذي تبنته هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي حينها، و عمدت الى وضع معايير التصنيف الأردني للجامعات، و الذي أُجهض منذ أول دورة له و ذلك لخروجه عن الأهداف المرسومة له.
و عود على بدء، فان ما طرح في مقدمة المقال حول نكوص جامعات أردنية عريقة عن المشاركة في أحد التصنيفات المعروفة، وقبلها فعلت الأمر ذاته بعض الجامعات الأمريكية، يقرع جرس انذار، و يثير أسئلة هامة تتعلق بمصداقية و شفافية هذه التصنيفات. و يبرز هنا سؤال هام حول جدوى المسار الذي تتبعه جامعاتنا الأردنية في اللهث وراء هذه التصنيفات و التقدم لعدة تصنيفات خلال العام الواحد، الأمر الذي يكلف هذه الجامعات المثقلة ميزانياتها الكثير من الجهد و الوقت و المال.
بكل تواضع، و بعد خبرة مع معظم التصنيفات العالمية، أقول أن الأمر لايستحق كل هذا اللهاث و المعاناة. فبعض التصنيفات التي يعتد بها، باتت تنحو باتجاه الربحية و البزنس. و أصبحت تقدم خدمات استشارية مدفوعة الأجر للجامعات حول كيفية تحسين ملفاتها التي تتقدم بها للتصنيف، و حتى أن بعض التصنيفات أصبحت تعرض حزمة من الخدمات، و تحض الجامعات على نشر اعلانات بمبالغ كبيرة على صفحات منشوراتها و على استضافة ندواتها و مؤتمراتها مقابل مبالغ طائلة، تدفعها الجامعات للمؤسسات المسؤولة عن هذه التصنيفات، ما يؤشر على امكانية تعارض المصالح في هذا المجال.
و حتى ترتقي جامعاتنا الى العالمية ، فلا بد أن تنخرط كليات وأقسام الجامعات في عملية تقييم ذاتي لأدائها، و أن تركز على الاهتمام بنوعية التعليم و ضبط جودته و مخرجاته، و النهوض بالبحث العلمي ليكون أكثر ارتباطا باحتياجات التنمية، بحيث تصبح الجامعة حاضنة لصناعة الفكروالمعرفة و الريادة. وحتى نبتعد عن العبثية في عملية التصنيف، فانني أدعو جامعاتنا الأردنية الى اعادة النظر في أسلوب تعاملها مع التصنيفات، بحيث لا تتقدم لجميع التصنيفات، و التركيز من قبل الجامعات على تصنيف عالمي واحد رصين، ما زال بعيداً عن الهدف الربحي، على أن يتم تبني التقدم لهذا التصنيف من خلال مشروع وطني أردني تديره وزارة التعليم العالي و البحث العلمي -ان بقيت على حالها- بحيث يكون هدف المشروع أن تظهر خمس جامعات أردنية ضمن المائة جامعة الأولى في هذا التصنيف خلال الخمسة أعوام القادمة. و بذلك نكون قد وحدنا الجهود و الطاقات بدلا من تشتتها و ضياعها في التقدم لتصنيفات أصبح همها في المقام الأول التكسب و جمع المال.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)