TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
تحديث منظومة الحياة السياسية ضرورة وطنية
14/06/2021 - 11:15am

د. محمّد القضاة

  مضت المئوية الأولى للدولة الأردنية بعجرها وبجرها، بانجازاتها وتحدياتها، واليوم يبدأ الاردن مئويته الثانية في ظروف مختلفة وتحديات حقيقية خلقتها انعكاسات اقليمية ودولية وجائحة صحية، وكلها تؤشر على ضرورة تجاوزها بحكمة ورؤية موضوعية لأوضاعنا الداخلية والخارجية، بعيدا عن لغة التشكيك بالدور الذي ستضطلع به اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية؛ خاصة أنّ الأصوات الكثيرة والمواقف المسبقة بدأت ماكينتها ضد هذه اللجنة وأنها لا تختلف عن سابقاتها، وهنا اقول ان تلك اللجان تم تشكيلها في ظروف مختلفة وفِي الالفية الأولى، وكلها قامت بدورها، ولم نسمع حينها هذه اللغة السوداء التي ترسم فيها ألوان اللجنة الجديدة، وهنا اذكر بتلك اللجان التي قامت بدورها وهي: لجنة الميثاق الوطني عام 1990 برئاسة احمد عبيدات، ولجنة الهيئة الوطنية (الأردن أولا)عام 2002 برئاسة علي أبو الراغب، ولجنة الاجندة الوطنية عام 2005 برئاسة مروان المعشر، ولجنة الحوار الوطني عام 2011 برئاسة طاهر المصري، ولجنة تعزيز منظومة النزاهة عام 2012 برئاسة عبد الله النسور، ولجنة منظومة النزاهة الوطنية عام 2014 برئاسة رجائي المعشر، ولجنة تطوير الجهاز القضائي وتعزيز سيادة القانون عام 2016 برئاسة زيد الرفاعي، وهذه اللجان جميعها جاءت في الألفية الأولى وانجزت ما كلفت به، والمطلوب من اللجنة الملكية الجديدة لتحديث منظومة الحياة السياسية برئاسة سمير الرفاعي ان تقرأ بعناية ما قامت به تلك اللجان، لمعرفة مواطن الوهن وما طبق من افكارها وما يناسب مجتمعنا؛ لأن جميع اعضاء هذه اللجان شخصيات وطنية نتفق معهم ام نختلف، المهم مدى توافق افكارها مع الوطن ورغبة الناس في بناء حياة ديمقراطية حقيقية تقوم على مبادئ من الحرية والاحترام والانجاز والعطاء وبناء الوطن، وهذا يتطلب قراءة الاوراق النقاشية من جديد لكي ننطلق في حوار وطني شامل يؤهل لرسم طريق جديد تكتب فيها فصول الحياة السياسية والاقتصادية. وتاريخ الاردن يحفل بالحياة والتجديد، والأردنيون لا يعرفون اليأس والنكوص، ويقرأون ما لهم وما عليهم، ويدركون ان التحديات هي عوائق التقدم والتغيير في معظم دول العالم، وحين تقرأ خريطة التحديات في المنطقة تكتشف ان الاردن يتجاوزها بالإصرار والتحدي والتصميم، واستطاع ان يصمد في وجهها بقوة وصلابة وحزم، وحفاظ على الاستقرار وكرامة الانسان وحقق الحد المعقول لإدامة العيش الصحيح للمواطن الاردني، ويعرف الجميع ان دولاً غنية تفلس وتغادر الرفاه الى شد الأحزمة وتعمل بكل امكاناتها لتجاوز هذه التحديات، ومع ذلك لا تصل لمستوى ما وصل له الاردن من القدرة على التكيف والعمل بجد لتجاوز التحديات والمعيقات بالعطاء والبناء، وللتذكير فقد واجه الأردن صدمات احداث المنطقة منذ بداية النكبة الفلسطينية مرورا بالنكسة وحرب لبنان واحتلال الكويت وحصار العراق واحتلاله وأحداثه المتلاحقة والازمة السورية العاصفة وما تم في ليبيا واليمن، واستقبل الأردن مئات الآلاف من اللاجئين والمهجرين بإمكاناته المتواضعة جدا، وفتح قلبه وأرضه لأبناء أمته باحترام وتواضع قلّ مثيله، دون ضجر او منِّة هكذا الادرن العروبي لم ينس واجباته رغم التحديات المحدقة به ورغم نتائج جائحة كورونا التي أدت إلى ارتفاع نسبة البطالة وافلاس العديد من الشركات والمؤسسات ورغم شُح المياه ورغم كل المواقف التي أدارت ظهرها للأردن، ولا نريد ان نقارن الاْردن بأي دولة فاشلة، وانما نقارنه بموازة الدول المتقدمة كي نرتقي به، وبالإنسان حتى ينافس ويبدع ويصل هدفه المنشود، هذا هو الاْردن من حقه علينا ان نعضده ونشد الأحزمة معه، وان نقرأه بعناية ودقة، وان نصبر مهما كانت التحديات؛ لان الصبر على الطوى في ظل الاستقرار والامان أفضل من رغد العيش في غابة لا يحكمها اي ضابط او معيار، ولذلك على ابناء هذا الوطن على اختلاف افكارهم ومشاربهم ومواقفهم ان ينتصروا للأردن، وأن يتنبّهوا لحجم التحديات والكوارث التي سرقت استقرار المنطقة برمتها، مطلوب منا جميعا ان نقف في صف الاردن بكل إمكاناتنا ضد التطرّف والأقلام المسمومة، واصحاب الافكار المريضة، والآراء المعلبة التي لا هدف لها غير مصالحها، نعم الاردن الآمن هو الأردن الديمقراطي، والأردن المستقر هو الأردن الحر، والأردن الذي يستقبل المعذبين والمهجّرين من أخوتنا هو الأردن العروبي القومي المسلم، نريد للأردن ان يبقى مؤل الأحرار والاستقرار والمحبة، نريد من الجميع ان يتحملوا المسؤولية الوطنية، وان يتفهموا ظروف الدولة الأردنية التاريخية والسياسية والاقتصادية والديمغرافية والاجتماعية كي يبقى الاردن في الطليعة، نريد من الجميع ان يعطوا الفرصة لهذه اللجنة الملكية كي تناقش وتعمل في ظروف صحيحة لتطوير ما تطالبون فيه من قوانين عصرية تضبط الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بلدنا .

  ان الواقع يفرض على الحكومة وشعبنا ان يقفوا على مسافة واحدة من التحديات الصعبة التي تؤثر على الجميع، وهذا يقتضي تفعيل الوعي وإعادة الروح للحوار على اسس منطقية وموضوعية، وهذا ما يحتاجه بلدنا لكي يتجاوز الجميع علاقة الشك وعدم الثقة. اقول على اللجنة الملكية والحكومة والمواطن ان يتأملوا من جديد أفكار الاوراق الملكية النقاشية كي يعلموا ان مصلحة الوطن فوق مصالح الأفراد، وان الحرية والديمقراطية لا عودة عنها، وان الزمن لا يعود للوراء؛ اذ ما زالت التحديات تتكاثر وتتعاظم، وأي تهاون او تكاسل أمامها قد نفقد البوصلة الحقيقية للوصول للهدف. لنتأمل المشهد برمته ونراقبه باهتمام ووطنية ولنعطي الفرصة لأطراف المعادلة لترميم العلاقة والشراكة الحقيقية بين الجميع على قاعدة المسؤولية المشتركة، وان كل طرف لا يستغني عن الاخر، وان بلدنا أولى بالاهتمام والتطوير والتغيير والإصلاح، وفرصة الجميع ان يراقبوا عمل اللجنة، وأن ندعمها بالآراء البناءة كي نفوت الفرصة على المتربصين بوطننا ومجتمعنا، ونقول بصوت واحد لا لبس فيه لا مكان لفاسد أو لمتطرف او جاحد او حاقد بيننا، لأننا لا نقبل ان يكون وطننا ملعبا لأي طرف يتربص به، لنعي المرحلة بدقة ونقرأ التحديات بفكر منفتح ونسمع الرأي الاخر مهما كان قاسيا اذا كان في مصلحة الوطن، نعم الاردن اليوم يحتاج الجميع للوقوف في صف واحد ضد الإساءة للوطن، وضد من يعتقدون انهم فوق القانون؛ لأن العدالة والنزاهة والوطن فوق الجميع، ولنرحم الوطن سواء أكنا مسؤولين ام مواطنين .

mohamadq2002@yahoo.com

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)