TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
الولايات المتحدة إذْ تنوي الاعتراف بالدولة الفلسطينية!
15/02/2024 - 5:00pm

طلبة نيوز- د. أحمد بطاح
د. أحمد بطَّاح
يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية استفاقت من نأمتها بعد السابع من أكتوبر وأدركت أنه لا بدّ من إقامة دولة فلسطينية إذا ما أرادت نجاح سياستها التقليدية القائمة منذ زمن طويل على تحقيق عنصرين هامين هما: الاستقرار والإدماج، أيّ استقرار منطقة الشرق الأوسط لكي تظل هادئة ويتم فيها تحقيق المصالح الأمريكية بالتعاون مع حلفائها من جهة، وإدماج إسرائيل في المنطقة بحيث تصبح جزءاً منها، وذلك من خلال استكمال عملية "التطبيع" مع بقية الدول العربية وعلى رأسها السعودية.
ولكن هل الولايات المتحدة جادة فعلاً أم أنها تريد أن تبدأ مساراً ينتهي بالاعتراف بدولة فلسطينية ما على غِرار ما حصل في مسار "أوسلو" سيء الذكر حيث بدأ في عام 1993 وكان مُتوقعاً أن يتمخّض عن تبلور دولة فلسطينية في عام 1998 وكما نصت عليه الشرعية الدولية أو "حل الدولتين" (دولة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية)؟
إنّنا نعرف جميعاً أن الإسرائيليين قتلوا الفكرة تدريجياً تحت سمع وبصر حليفتهم الإستراتيجية الكبرى الولايات المتحدة حيث كثّفوا الاستيطان في الضفة الغربية (التي يسمونها يهودا والسامرة رسمياً) وأكثروا من الطرق الالتفافية بحيث أصبح عدد المستوطنين يقارب المليون (750,000 في الضفة الغربية و 250,000 في القدس الشرقية)، وأصبحت محافظات الضفة الغربية ومدنها الكبرى أشبه "بكانتونات" أو بجزر منعزلة بعضها عن البعض الآخر.
إنّ هذه التجربة التاريخية المريرة بالنسبة للفلسطينيين تجعل وعود الولايات المتحدة بالاعتراف بدولة فلسطينية غير واعدة بل مُريبة في الواقع. وحتى لو آمنا بصدق نوايا الولايات المتحدة فهل هي راغبة حقاً في لجم إسرائيل التي يحكمها اليمين حالياً وإكراهها على قبول دولة فلسطينية؟
إن الجمهور الإسرائيلي وليس النخبة السياسية فقط ترفض قيام دولة فلسطينية لسببين هامين هما: اعتقاده أن فلسطين هي أرض التوراة التي وَعَدهم الربُّ بها وليس لغيرهم الحق فيها، وخوفهم من أنّ قيام مثل هذه الدولة على تخوم دولتهم هو خطر حقيقي عليهم وبخاصة عندما يستذكرون السابع من أكتوبر، وفضلاً عمّا سبق فإنّ الولايات المتحدة يجب أن توضّح مفهومها للدولة الفلسطينية وبخاصة في ضوء تصريح الرئيس الأمريكي "بايدن" بأن هناك أنماطاً كثيرة من الدول! فهل يريد الأمريكيون الاعتراف بدولة "هزيلة" تحقق شكليات الدولة بدون كيان دولة حقيقية لها كل مقومات الدول من سيادة على أرضِها براً وبحراً وجواً ؟ إنّ ما تعلنه الولايات المتحدة حتى الآن هو أنّ الدولة الفلسطينية سيتم الاعتراف بها لتحقيق الأمن لإسرائيل وبالتوافق معها في هذا الشأن فهل يقبل الإسرائيليون حقاً؟ وما شروطهم المتوقعة لتوفير الأمن؟ وماذا لو خسر "بايدن" الانتخابات وجاء غريمه القديم الجديد "ترامب"؟ هل ستعود الولايات المتحدة إلى تبني سياسة "صفقة القرن" الشهيرة وقذف فكرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية في سلة المهملات!
إنّ الكل يتمنى لو أن الولايات المتحدة تؤمن حقاً بما تقول بحيث تبادر فوراً وبدون إبطاء إلى الإعلان عن الاعتراف بالدولة الفلسطينية حسب "حل الدولتين"، ثم تباشر بعد ذلك بالضغط على حليفتها إسرائيل والتي تشكل (أي الولايات المتحدة) بالنسبة إليها شريان الحياة (وهو ما اتضح تماماً في السابع من أكتوبر) لاتخاذ الخطوات العملية اللازمة للاعتراف بالدولة الجديدة، والبدء بمحادثات جادّة وعلى كافة المستويات لتوضيح المسائل الحساسة بين الطرفين كالحدود، ومصادر المياه، والميناء، والمطار وغيرها.
ومن الطبيعي أن يترافق ذلك مع إشراك الدول المعنية (الأردن، لبنان، سوريا) والفاعلة في المنطقة (السعودية، إيران، العراق) لمواكبة هذا الجهد والعمل على إخراجه إلى حيز الوجود، بل ومن الطبيعي أن يترافق ذلك أيضاً مع جهود الدول المهمة المؤثرة كبريطانيا، والاتحاد الأوروبي (27 دولة أوروبية) لتحقيق الهدف ذاته.
خلاصة القول أنّ الولايات المتحدة دولة عُظمى (هي الأعظم الآن في الواقع)، وهي الحليفة الوثيقة لإسرائيل الذي تمدها بكافة أشكال الدعم الحاسم (السياسي، العسكري، الاقتصادي)، وهي تملك أوراق الضغط على معظم دول العالم المهمة، ولذا فإنها قادرة ليس فقط على الاعتراف بالدولة الفلسطينية بل وعلى إقامتها واقعياً إذا أرادت حقاً، ولكن يظل السؤال المحوري قائماً وهو: هل تريد فعلاً ؟! دعونا نتفاءَل ومن يعشْ يرَ.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)