TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
النفوذ الإيراني في المنطقة: بداية النهاية؟!
12/12/2024 - 2:00pm

د. أحمد بطَّاح
مُنذ اندلاع ثورتها في عام 1979 عمدت إيران إلى تصدير ثورتها إيماناً منها بأنّ رسالتها ليست موجهة فقط للشعب الإيراني بل لكلِ "المستضعفين" و "المظلومين" في العالم (المقصود أساساً هم الشيعة)، وقد بدأت بجارها العراق حيث اشتبكت معه في حرب طويلة ومريرة استمرت ثماني سنوات (1980 - 1988) واضطرت في نهايتها إلى وقف إطلاق النار رغم استمرار احتلال العراق لبعض الأراضي الإيرانية.
والتزاماً بسياستها الهادفة الى مدّ نفوذها وتقوية دورها الاقليمي بنت إيران تحالفاً مهما مع سوريا (برئاسة حافظ الأسد في ذلك الوقت)، ولكن فرصتها الذهبية جاءَت على أثر الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982 حيث تحالفت مع القوى الشيعية المناهضة للوجود الإسرائيلي وتبنت منها "حزب الله" ودعمته بالمال والسلاح عبرَ السنين إلى أن أصبح أقوى جماعة مسلحة غير حكومية في العالم، وبحيث استطاع هذا الحزب أن يجبر إسرائيل على الانسحاب من لبنان في عام 2000 بدون شروط، بل واستطاع أن يعقد اتفاقاً متوازناً غير مباشر مع إسرائيل في عام 2006 وذلك بصدور قرار مجلس الأمن (1701) القاضي بوقف إطلاق النار.
واتساقاً مع سياستها الرامية إلى توسيع دائرة نفوذها كقوة إقليمية وازنة دعّمت إيران حركة حماس الفلسطينية الأمر الذي مكّنها من إطلاق معركة "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر 2023، كما دعمت حركة "أنصار الله" الحوثية في اليمن والتي استطاعت إرباك الملاحة الدولية في البحر الأحمر، ومضيق باب المندب، فضلاً عن شن هجمات متفرقة ومزعجة بالمسيرات والصواريخ الباليستية على إسرائيل.
لقد استطاعت إيران بالفعل خلق تحالف مهم أسمته "حلف المقاومة والممانعة" ضد إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة، وبغض النظر عن النوايا الحقيقية للنظام الإيراني فقد نجحت إيران في أن تصبح لاعباً سياسياً مهماً في إقليم الشرق الأوسط، كما اقنعت الكثيرين في إنها داعم قوي للحق الفلسطيني من خلال دعمها المشهود لبعض الحركات النضالية الفلسطينية (رغم كونها سنّية) " كحماس" والجهاد الإسلامي.
لكن هذا كله بدأ يتغير في الآونة الأخيرة فقد استطاعت إسرائيل تحجيم حركة حماس (رغم صمودها البطولي) في قطاع غزة من خلال تدمير معظم قوتها العسكرية، وضمان ألا تحكم قطاع غزة مستقبلاً، كما استطاعت أن توجه ضربات موجعة لحزب الله، ومع أنها لم تهزمه ولم تقضِ عليه (كما أقر المبعوث الأمريكي هوكشتين) إلا أنها استطاعت أن تجبره على مغادرة أراضي الجنوب إلى شمال نهر الليطاني، الأمر الذي سيؤدي إلى تقليل فرصه المستقبلية كقوة عسكرية تستطيع أن تهدد مدن إسرائيل، وتجبر مواطنيها بالملايين على النزول إلى الملاجئ.
إن ضرب حماس في فلسطين، وحزب الله في لبنان، كان أمراً مهماً في سياق ضرب النفوذ الإيراني، لكن الضربة الأشد جاءت بعد سقوط النظام السوري في الثامن من هذا الشهر، حيث اعتبرت سوريا دائماً "واسطة العقد" في التحالف الإيراني الذي كان يطمح ويخطط للوصول إلى البحر الأبيض المتوسط من خلال طريق (إيران، العراق، سوريا، لبنان).
إن سقوط النظام السوري وسيطرة المعارضة السورية المناوئة لإيران على الحكم يمثل ضربة قوية للنفوذ الإيراني في المنطقة حيث لن يكون طريق الدعم الإيراني المشار إليه آنفاً سالكاً. ولعلّ التطورات الأخيرة التي رافقت سقوط النظام السوري كانت في غير صالح إيران أيضاً حيث نأى العراق بنفسه عن التدخل في الشأن السوري، وفي حين أن الجماعات المناصرة لإيران في العراق (بعض مكونات الحشد الشعبي العراقي) كانت تطالب بالتدخل لصالح النظام السوري السابق جاهرت قوى أخرى مهمة كالتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر (وهو شيعي بالمناسبة) بعدم التدخل وترك الشعب السوري يختار من يريد لحكمه، ولكن الموقف الرسمي العراقي وعلى لسان رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني القائد العام للقوات المسلحة العراقية كان واضحاً وهو رفض التدخل وزج العراق في اتون صراع جديد بعد كل ما مر به من حروب وصراعات.
أما حركة أنصار الله الحوثية فهي غير قادرة على التأثير الحقيقي والفعال في مجريات الأحداث بسبب بعدها وتعقد وضعها.
إن الحقيقة الموضوعية في ضوء التحليل السابق للمعطيات والمتغيرات تشير بوضوح إلى تراجع النفوذ الإيراني الأمر الذي سوف يقود حكماً إلى حدوث مراجعة للسياسة الإيرانية، فهل ستنكفئ إيران وتركز على نفسها وعلى تحسين أوضاع شعبها وبخاصة أنها على وشك مواجهة إدارة أمريكية جديدة برئاسة ترامب الذي لا يخفي عداءه لإيران، ورغبته في إعادة "العقوبات القصوى" عليها، والحيلولة دون حصولها على السلاح النووي؟
أم أنّ قواها الثورية (المرشد الأعلى خامنئي، والحرس الثوري وغيرهم) سوف يواصلون محاولة رأب الصدع، وتجاوز حالة الإخفاق، وبناء "مشروع النفوذ" على أسس جديدة ومختلفة ولكنها تؤدي إلى ذات الهدف؟
لا أحد يستطيع تقديم الإجابة القاطعة ولكن الحقيقة هي أن إيران سوف تظل قوة كبيرة وأصيلة في المنطقة، ولها فيها ولاءات طائفية متحمسة لها، ولذا فليس من المستغرب أن تظل طامحة دائماً إلى لعب دور محوري ومهم في شؤون الإقليم.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)