TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
المكتبة الوطنية
06/03/2014 - 1:45am

طلبة نيوز-أ.د. صلاح جرّار

يعدّ إنشاء المكتبات الوطنية أحد مستلزمات قيام الدول وبنائها، لأنها أهمّ مصدر من المصادر التي تستمد منها المعلومات الخاصّة بها وبغيرها، ولذلك فإن الدول التي تدرك الأهمية البالغة للمكتبات الوطنية مثل واشنطن ولندن ومدريد وباريس وموسكو وبكين قد رصدت وما زالت ترصد ميزانيات ضخمة لزيادة مقتنيات هذه المكتبات وتطويرها، وإذا ما أردنا أن نثبت ذلك فما علينا إلاّ أن نلاحظ أن حجم تلك المكتبات وعدد مقتنياتها يزداد وينقص باطراد مع مكانة تلك الدول ومدى تقدمها أو تأخرّها.
إنّ أهميّة المكتبة الوطنية في أي دولة من دول العالم لا تقتصر على كونها مصدراً للمعلومات، بل إنها تمثل أيضاً ذاكرة الأمّة وتعبّر عن هوّيتها وشخصيتها، ومن غير هذه الذاكرة والشخصية لا تستطيع الأمة أن تضمن أمنها وسلامتها وقدرتها على التقدّم والبقاء وتصبح أركانها وقواعدها هشّة وقابلة للتصدّع لدى أوّل تحّدٍ يواجهها، وهذا ما يفسّر حرص الدول المتقدمة على اقتناء أي كتاب ينشر في أيّ بقعة من الأرض وبأيّ لغة، وهو ما يفسّر حرص هذه الدول على اقتناء أي وثيقة يمكن الحصول عليها مهما كانت تكاليفها وسواء أكانت هذه الوثيقة تخصّها أم لا. وهذا ما يفسّر ما درج عليه أسلافنا في أيّام تفوّقهم الحضاري من إنشاء مكتباتٍ ضخمة وترجمة العلوم فيها، مثل مكتبة بيت الحكمة في بغداد أيام الخليفة المأمون العّباسي، ومكتبة الزهراء في قرطبة أيام الخليفة الأموي الحكم المستنصر، فقد أنفقوا أموالاً طائلة في سبيل إنشاء تلك المكتبات وضخّ العلوم والمعارف المختلفة فيها، كي يتماشى ذلك مع مكانة سلطانهم وترسيخ دولهم.
إنّ المكتبات الوطنية في الدول المتقدمّة هي صروحٌ وطنية شامخة وثروات نفيسة، وقد تحولّت مع الزمن إلى معالم سياحية بارزة يرتادها الزوّار من كلّ أنحاء العالم فضلاً عن الباحثين والمؤلفين الذين يرتادونها من دول العالم كافّة.
وحتّى تكون المكتبة «وطنية» بامتياز لا بدّ لها من أن تُعنى باقتناء كلّ ما يكتب في أنحاء العالم عن بلد تلك المكتبة سواء في داخل البلد أم خارجه وسواءً أكان قديماً أم حديثاً وسواءً أكان بلغة ذلك البلد أم بلغة غيره، وكلّ المخطوطات والوثائق والخرائط والمدوّنات والتراجم وسير الأعلام والصحف والمجلاّت وغير ذلك كثير، بحيث تغدو هذه المكتبة مرجعاً لكل الباحثين والدارسين في أنحاء العالم عن هذا البلد، وبحيث تكون المعلومات التي تمتلكها هذه المكتبة مرجعاً أساسياً للأجهزة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلد تعتمد عليه في وضع برامجها وخططها المستقبلية.
ولم تكتف مكتبات الدول المتقدّمة باقتناء ما يخص تلك الدول من تراث فكري ومعرفي بل توسّعت لتجعل من نفسها مكتبات عالمية تقتني كلّ ما صدر في دول العالم كافة من مؤلفات ومجلات وصحف وما تيسّر لها من وثائق ومخطوطات، وذلك إدراكاً منها أنّ أيّ معلومة في أي مكان من الأرض قد تغدو ضرورية جداً في ظرفٍ ما.
أما المكتبة الوطنية في مملكتنا العزيزة، فعلى الرغم ممّا يبذل فيها من الجهود للارتقاء بأدائها ومستواها، وعلى الرغم ممّا استطاعت تحقيقه في السنوات الأخيرة من اقتناء لمئات الآلاف من الوثائق والصور والموادّ المكتبية التي تتعلّق بتاريخ الأردنّ، إلاّ أنّه ما زال ينظر إلى هذه المكتبة بوصفها أمراً زائداً عن الحاجة، ولا تكاد الميزانية المخصّصة لها تكفي لرواتب الموظفين ومصروفات الماء والكهرباء، فهل يعقل أن يكون جهاز حيويّ من أجهزة الدولة يمثل ذاكرتها وهوّيتها وشخصيتها وروحها ومصدر كلّ معلوماتها مستبعداً من رعاية الدولة واهتمامها؟!

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)