TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
المقاومة الفلسطينية: إنجازات غير مسبوقة!
23/12/2023 - 1:30pm

طلبة نيوز- د. أحمد بطَّاح
مهما يكن موقفه من المقاومة الفلسطينية ومرجعياتها الفكرية فإنّ المحلّل الموضوعي لا يملك إلّا أنّ يُسجّل لها إبداعات غير مسبوقة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي ولعلّنا نستطيع أن نحصر أهم هذه الإنجازات الإبداعية على النحو الآتي:
أولاً: المبادرة إلى مهاجمة إسرائيل بدلاً من انتظار هجومها للرد عليه. لقد دأبت المقاومة وبالذات في غزة أن ترد على الهجمات الإسرائيلية طبقاً لأسلوب رد الفعل مقابل الفعل، ولكنها في "طوفان الأقصى" قامت ولأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي بمهاجمة ما تعتبره إسرائيل "أرضها" حيث اخترقت الحاجز مع غلاف غزة، وسيطرت على "فرقة غزة" العسكرية بعد أن عطلت أجهزة الإنذار بمئات الصواريخ ثم عمدت إلى مهاجمة مستوطنات الغلاف، وللحقيقة والتاريخ فإنّ هذه سابقة ليس على مستوى المقاومة الفلسطينية فقط بل على المستوى العربي فلأول مرة تقتحم قوة عربية "الأرض" الإسرائيلية وتسيطر عليها وتدمر التواجد العسكري والاستيطاني فيها!
ثانياً: التخطيط الاستراتيجي حيث وضعت المقاومة خطة استراتيجية لهذه الهجمة وأعدت لها كل ما يلزم من مقاومين مدربين، وأسلحة مناسبة، واستكشاف ذكي للمواقع الإسرائيلية، وليس بعيداً عن هذا التخطيط الإستراتيجي عندما عمدت "حماس" إلى عدم المشاركة مع حركة "الجهاد الإسلامي" في المعركة الأخيرة التي خاضتها إسرائيل حتى توهمت إسرائيل - وربما بعض العرب- أن حماس لم تعد حركة مقاومة، بل أصبحت "دولة" مُثقلة بمهام إدارة القطاع المحاصر، ولا شك أنّ هذا التخطيط ساعد في استخدام عنصر "المفاجأة الكاملة" حيث تفاجأت إسرائيل تماماً بالهجوم، ولم تصحُ إلّا بعد خمس ساعات تقريباً من بدء الهجوم (أيّ في الساعة الحادية عشرة من صباح السابع من أكتوبر)، وإنّ ممّا لا شكّ فيه أن ما ساعد المقاومة على تنفيذ استراتيجية "المفاجأة الكاملة" هو غطرسة إسرائيل وغرورها حيث لم تتصور للحظة أن المقاومة قد تبادر إلى مثل هذا الهجوم الكبير والمُركّز والمُعد جيداً، ولعلّ هذا يُذكّر بتفاجؤها بهجوم الجيش المصري والسوري في عام 1973 حيث استرخت واعتقدت أن العرب أُمّة ميتة وأن جيوشها لن تتجرأ على اختراق حاجز قناة السويس، وخط "بارليف" وغيرها من التحصينات على الجبهتين المصرية والسورية.
ثالثاً: تصنيع الأسلحة حيث انطلقت المقاومة من حقيقة أنّ الجيش الإسرائيلي هو الجيش الثامن عشر في العالم (حسب تصنيف غلوبال باور فاير، Global Firepower)، وأنه مجهز بأحدث ما تنتجه التكنولوجيا الغربية (وبالذات الأمريكية)، ولذا فلا بدّ - في مواجهة هذا الوضع - من تطوير أسلحة بسيطة غير مُكلفة ولكنها فعالة "كالياسين 105" و "رجوم" و "شواظ" وغيرها ويكفي أن نذكر في هذا الإطار أن قذيفة "الياسين 105" لا تكلف سوى (50) دولاراً ولكنها تستطيع تدمير دبابة "الميركافا" الإسرائيلية التي تكلف ستة ملايين دولار!، وها هي هذه الأسلحة تظهر فعاليتها في مقاومة الغزو الإسرائيلي وتُلحق به خسائر فادحة باعترافه حتى بعد مرور سبعين يوماً على بدء المواجهة.
رابعاً: الصمود حيث اعتقدت إسرائيل أنها بقوة جيشها التدميرية الهائلة و بأساليبه التي تجاوزت جميع قوانين الحروب كالقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، واتفاقيات جنيف الرابعة تستطيع أن تُدمّر المقاومة في أسبوعين أو ثلاثة وتجبر قادتها على الاستسلام أو الهروب، ولكن الحقيقة الماثلة للعيان الآن وباعتراف الإسرائيليين أن المقاومة صامدة بل وتصطاد الجنود الإسرائيليين وآلياتهم حتى في المناطق التي ادّعوا أنهم سيطروا عليها (شمال غزة)، بل وأكثر من ذلك ما زالت المقاومة وبعد مرور كل هذا الوقت على بداية المعارك قادرة على قصف منطقة "تل أبيب" الكبرى، وإجبار ما يزيد عن مليون إسرائيلي على النزول إلى الملاجئ، ولعلّ المفاوضات الجارية الآن بشأن هدنة أو وقف لإطلاق النار تدل دلالة واضحة على أنّ المقاومة ما زالت راسخة بل وندّ قوي لإسرائيل ومن يساندها!
خامساً: الإعلام، فالواقع هو أن المقاومة نجحت نجاحاً باهراً على هذا الصعيد فمنذُ اللحظة الأولى كان "الإعلام العسكري" يرافق المقاتلين، ويصوّر بطولاتهم وإنجازاتهم على الأرض، ولعلّنا لا نبالغ إذا قلنا بأنه لولا أننا رأينا بأم أعيُنِنَا دخول المقاومة إلى "غلاف غزة" و "جرجرتها" للجنود الإسرائيليين وآلياتهم الحربية لما صدقنا ذلك، وينسحب على هذا ما نتابعه كل يوم من عمليات تصيد المقاومة "للمجنزرات" الإسرائيلية ومجاميع قواته الغازية. لقد نجحت المقاومة في توثيق عملياتها بحيث لا يستطيع أيّ مُنصف أن يُنكّر عليها ذلك، ويُضاف إلى هذا النجاح على الصعيد الإعلامي بالطبع نجاح المقاومة في مخاطبة الرأي العام الإسرائيلي من خلال "الفيديوهات" التي ينشرها للأسرى، وكيفية التعامل معهم في صفقة التبادل التي تمت. إنّ هذا كله ينمّ بوضوح عن فهم المقاومة لأهمية الإعلام ودوره الحيوي في كسب المعركة، فالحروب ليست مواجهات عسكرية فقط بل مواجهات على كافة الصعد العسكرية، والاقتصادية، والاجتماعية، والإعلامية، والكسب دائماً لمن يفهم الصورة بكليتها الشمولية.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)