TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
العالم العربي: من ساحات النهضة إلى مسارح التفاهة والابتذال
01/12/2024 - 7:00pm

طلبة نيوز - أ.د هاني الضمور
العالم العربي يعيش مرحلة غير مسبوقة من الانحدار الثقافي والاجتماعي، حيث أصبحت التفاهة والابتذال عنوانًا رئيسيًا في المشهد العام. في وقت تتفاقم فيه الأزمات السياسية والاقتصادية، وتحاصر الشعوب تحديات البقاء والكرامة، نجد أنفسنا غارقين في موجة من الأحداث والفعاليات التي تفتقر إلى أي مضمون حقيقي. الموارد تُهدر، والاهتمام الشعبي يضيع في زحمة أخبار ومهرجانات سطحية لا تخدم سوى الترويج للفراغ واستنزاف الوعي الجماعي.

هذا الواقع يعكس إما سياسة ممنهجة لإلهاء الشعوب عن قضاياها الحقيقية، أو افتقارًا مدقعًا إلى الرؤية والإبداع في إدارة المحتوى الثقافي والإعلامي. كثير من الدول اليوم تغرق في تسويق صورة سطحية تستعرض مظاهر زائفة من الحداثة والتقدم، بينما تعاني البنية التحتية الثقافية والتعليمية من التدهور. وفي المقابل، يتم توجيه الأموال العامة والرعاية الرسمية نحو فعاليات تافهة تخلو من أي قيمة حقيقية، وكأن الهدف الوحيد هو إشغال الناس وصرف انتباههم عن الملفات الأكثر أهمية.

المفارقة تكمن في أن المسؤولين الذين يفترض بهم مواجهة هذه الأزمات هم أنفسهم جزء من المشكلة. حضورهم لهذه الفعاليات أو دعمهم لها يمنحها شرعية، ويؤكد على انفصالهم التام عن احتياجات الشعوب وتطلعاتها. بدلًا من التركيز على ملفات مثل البطالة، الفقر، التعليم، والصحة، نجدهم غارقين في صور ومناسبات لا تتجاوز كونها استعراضًا أجوفًا.

وسائل التواصل الاجتماعي، التي كان يفترض أن تكون منصة لتعزيز الوعي والتعبير الحر، أصبحت بدورها شريكة في هذا الانحدار. لقد هيمنت ثقافة “اللايك والشير” على المحتوى، حيث باتت المعايير تقتصر على جذب الانتباه، بغض النظر عن جودة الفكرة أو رسالتها. النتيجة؟ شعوب تائهة بين عالمين: واقع مرير لا يُناقش، وعالم افتراضي يروج للتفاهة ويغرق في الابتذال.

لكن التفاهة ليست قدرًا محتومًا. هي نتيجة مباشرة لسياسات قصيرة النظر، واختيارات خاطئة على مستوى الأفراد والمؤسسات. العالم العربي بحاجة ماسة إلى مشروع ثقافي جديد يعيد الاعتبار للوعي والإنسان كقيمة محورية. الارتقاء بالمحتوى الثقافي والإعلامي ليس مجرد مطلب ترفيهي، بل هو ضرورة ملحة لمواجهة التحديات الكبرى التي تعصف بالمنطقة.

التغيير يبدأ من الشعوب، التي عليها أن تدرك أن ما يُقدم لها ليس سوى محاولة لتشتيت انتباهها وسلب قدرتها على المطالبة بحقوقها. المستقبل لن يُصنع بأيدي من يروجون للسطحية، بل بمن يعيدون تعريف النجاح والتميز على أسس من الإبداع والوعي والمسؤولية. وإلا، فإننا ماضون نحو المزيد من الانحدار الذي يهدد وجودنا وهويتنا على المدى البعيد.
ا د هاني الضمور

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)