TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
الذكاء الاصطناعي والتعليم الأكاديمي: من التحدي إلى الفرصة
05/05/2025 - 2:00am

د. زياد أبو الرُّب - الجامعة الألمانية الأردنية

لم يكن ظهور الذكاء الاصطناعي التوليدي مجرّد طفرة تقنية عابرة، بل تحوّل إلى لحظة مفصلية في مسيرة التعليم الأكاديمي العالمي. فمنذ أن بدأت هذه التقنيات، القادرة على إنتاج النصوص والصور والأكواد والبيانات بكفاءة فائقة، تغزو الفضاءات المعرفية، بات لزاماً على الجامعات أن تعيد التفكير في فلسفة التعليم وأساليبه وأهدافه.

لقد كان لنشأة الذكاء الاصطناعي التوليدي وقع خاص، إذ كسر هذا الابتكار الحاجز التقليدي بين المُنتِج والمُتلقي، ومنح الأفراد القدرة على توليد المعرفة والمحتوى بضغطة زر. وهنا، وجد التعليم الأكاديمي نفسه في قلب معادلة جديدة: هل يبقى الطالب مجرد متلقٍ للمعرفة، أم يصبح شريكاً نشطاً في إنتاجها وتوظيفها بذكاء؟

أمام هذا التحول، أخذت أنماط التعليم الأكاديمي تتغير تدريجياً. فقد بات الاعتماد على التلقين والحفظ أقل أهمية، بينما صعدت الحاجة إلى تنمية مهارات التفكير النقدي، وحل المشكلات، والإبداع، والتعلم الذاتي. ومع ذلك، لم يمر هذا التغير دون جدل. ففي أروقة الجامعات وبين هيئات التدريس، ثار نقاش محتدم حول جدوى استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم. بين من يرى فيه أداة تعزز القدرات وتكسر الجمود، ومن يحذر من مخاطره على النزاهة الأكاديمية، والخوف من أن يتحول الطالب إلى مستهلك للمحتوى بدلًا من صانعه.

ومع اشتداد هذا الجدل، بدا واضحاً أن الخيار ليس بين المنع أو السماح المطلق، بل في كيفية دمج الذكاء الاصطناعي بوعي في المنظومة التعليمية. إذ أضحى ضروريًا تطوير نموذج تعليم جامعي متجدد يتكيف مع الذكاء الاصطناعي، ويحتضن مفاهيم التعلم التكيفي، ويعتمد أنظمة اختبار ذكية تتيح للطالب إثبات فهمه ومهاراته بطرق متنوعة وأكثر إنصافاً.

أبعد من ذلك، لم تعد مهمة الجامعات إعداد الخريج للحاضر، بل للمستقبل الذي تحكمه أدوات الذكاء الاصطناعي. لقد أصبح إكساب الطالب القدرة على استخدام هذه الأدوات بذكاء، وتحليل نتائجها، والتعامل معها بمرونة وأخلاقية، عنصراً أساسياً في رسم ملامح الخريج المؤهل لسوق العمل. خريج يجيد توظيف الذكاء الاصطناعي لا ليحل محله، بل ليكون رفيقه في الإبداع والابتكار.

وفي هذا السياق، يتعين على منظومة التعليم الجامعي أن تَخضع لمراجعة شاملة، تطال المناهج، وأساليب التدريس، وبرامج الإعداد المهني، وحتى سياسات التقييم والاعتماد. يجب أن تبنى هذه المنظومة على رؤية تدمج بين الطالب والمعلم والمنهاج، في إطار ديناميكي قادر على مواكبة الثورة التقنية المتسارعة. فبناء خريج المستقبل لم يعد يرتكز فقط على نقل المعرفة، بل على تنمية القدرة على إنتاجها، وتطويعها لخدمة المجتمع والاقتصاد الرقمي.

ولأن الذكاء الاصطناعي يحمل في طياته قضايا أخلاقية شائكة، فإن الحاجة إلى منظومة أخلاقية جامعية تحكم استخدامه أصبحت أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. منظومة ترسخ قيم الأمانة العلمية، وتحمي حقوق الملكية الفكرية، وتوجه الطلاب وأعضاء هيئة التدريس نحو الاستخدام المسؤول والمتوازن لهذه التقنية.

في النهاية، يبدو أن الذكاء الاصطناعي، بكل ما يحمله من تحديات وفرص، يدعو الجامعات إلى إعادة تعريف رسالتها. فإما أن تواكب هذا التغير وتتحول إلى مؤسسات تصنع المستقبل، أو أن تتقوقع في أنماط تقليدية قد تجعلها خارج سياق العصر. وفي هذا المفترق، لا خيار سوى أن يكون التعليم الجامعي حاضنة للذكاء الاصطناعي، وموجهاً له، لا مجرد متأثر به.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)