د. محمد القضاة
‏ سألني أحد الأصدقاء عن الجامعة الأردنية وقال لي كيف تنظر إلى الجامعة بعد كل هذه السنوات؟ قلت له: الجامعة الأردنية تاريخ طويل يطول شرحه، هي المكان الأثير الذي ترك بصماته في الوطن كله من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربة، وتستحق أن تقرأ صفحاتها بدقة وعناية، فهي ليست وليدة مرحلة تبدأ لتنتهي، ولا فصلا محددا؛ ولا مكتبا وثيرا، ولا محاضرة عابرة؛ انها الوطن وعقل الدولة شاركت فيه اجيال وأجيال، وسنة تلو الأخرى حتى غدت عالية في الخافقات. وما ان يزورها ضيف او مسؤول إلا ويتحدث عنها حديث المحب من القلب إلى القلب، ولا أنسى كلمات الدكتور محمد المومني وزير الاتصال الحكومي الناطق الرسمي للحكومة وهو يتحدث عن أول لقاء ومحاضرة له في مدرجات كلية الآداب كان يتحدث بحب وجمال عن الجامعة الأردنية وكم كان فخورا بإنجازات الجامعة حين سأل معالي رئيس الجامعة الدكتور نذير عبيدات في اثناء محاضرته الاحد الماضي عن تصنيف الجامعة على مستوى العالم حيث أجابه أنها نالت مرتبة متقدمة 368 في التصنيف العالمي QS والتاسعة عربيا في تصنيف التايمز الجديد كانون الاول 2024 والأولى محليا في التصنيفين، كم شعرت بالفرح وهو يتلقى الاجابة وقد رسمت على محياه لحظات من السرور والزهو وهو يقول هذه جامعتي التي تخرجت فيها في مرحلتي البكالوريوس والماجستير، ولا ننسى حصول الجامعة على جائزة الجامعة الرسمية المتميزة ضمن جوائز مركز الملك عبدالله الثاني للتميز، وذلك تقديرا لتميز أدائها الحكومي وشفافيتها ما يعكس التزامها بتحقيق أعلى المعايير الأكاديمية والإدارية، إضافة إلى ملفات اكاديمية وإدارية اصبحت مثار إعجاب الأردنيين ليس اقلها انها المؤسسة الرسمية الاولى التي حققت معايير الشفافية في تقرير ديوان المحاسبة، وهو ما اشار اليه الوزير المومني في اثناء المحاضرة، فضلا عما تقوم به الجامعة من إعادة الحياة العلمية والثقافية في مختلف ارجاء الكليات، يضاف إلى ذلك تحديث البنية التحتية المتعلقة بالقاعات التدريسية على أفضل المستويات العالمية بحيث تحاكي القاعات افضل ما نراه في الجامعات المتقدمة بحيث تُمكّن الطلبة من التعليم والتعلم وفق محاضرات تفاعلية من اي مكان في العالم؛ إضافة إلى تحديث منظومة البحث العلمي وتشجيع الباحثين حيث يتجاوز مجموع ما نشرته الجامعة 30 الف بحث علمي في مختلف المجالات ومنشورة في المجلات العالمية ودور النشر المرموقة، ولا ننسى الفرق البحثية وسياسة الابتعاث والتعيينات في معظم أقسام الجامعة، هذه نجاحات لا يمكن لاي أحد ان ينكرها.
ومن الانصاف ان نتحدث عن الجامعة الاردنية في هذا التوقيت، ليس لانها تتصدر المشهد التنويري والمعرفي في الاردن منذ تأسيسها عام ١٩٦٢ والى يومنا، وإنما لأنها تستحق ان تبقى في الصدارة وفي قمة اهتمام الدولة الأردنية؛ إذ لا يمكن التفريط بأي شكل من الأشكال بالمؤسسات الوطنية المهة، رغم تعاقب السنين، ورغم تحول ايقاع اهتمامات الدولة والمجتمع، حيث استمرت في حمل رسالتها التعليمية على أكمل وجه، وحملت هموم الوطن والتعليم العالي في الاردن، وقد سبقت شقيقاتها الأردنيات بسنوات طوال وكانت وما زالت خزّان الخبرة والعقول الأكاديمية، وهي أكثر من دعم الوطن بكفاءات وطنية في مختلف القطاعات الاقتصادية والسياسية والمعرفية، وتخرّج فيها معظم رجالات الدولة، وهم انفسهم من يرفدون بخبراتهم وتجاربهم نهضة الوطن في شتى الصعد الحياتية. أقول إن الإبداع والعطاء صنو الانتماء والبناء، ومن يقف على إنجازات الجامعة وعطاء الأكاديميين وإبداعاتهم يدرك دورهم في الوصول بجامعتهم الى هذه المراتب المتقدمة، وانحياز الجامعة إلى العلم والمعرفة والتجديد والمحافظة على رسالتها منذ إنشائها يؤكد ما وصلت إليه، وكم تشعر بالفرح حين تستمع لأساتذة عرب وغير عرب وهم يتحدثون عنها وعن أساتذتها وخريجيها؛ عن جدهم وعطائهم واحترامهم لمنهجهم الاكاديمي، وعن دورهم في قيادة مواقع كثيرة يشغلونها داخل الأردن وخارجه، وهو مصدر فخر واعتزاز للوطن.
ومن حق الجامعة وإدارتها ان تشعر بالفرح لهذا التقدم، ومن حق أساتذتها ان يسعدوا لهذا الانجاز المتقدم، ولذلك علينا أن نشير إلى دورهم في تقدم جامعتهم، وهذا يفرض على الجميع أن يستمروا في العطاء والإبداع لمواصلة مسيرة التقدم، وعلينا أن نشكر من يقودهم في هذه المرحلة كونه يمتلك عبقرية البساطة وثقافة الحب والجمال والموضوعية والذهنية المتوقدة التي تقوم على التشاركية والحزم والعلم، ويشهد بذلك القاصي والداني، وكلما التقيته ايقنت انه أنموذج يستحق التقدير والاحترام، ولا تجده ينتقص دور من سبقوه، وإنما يعزز دورهم ويذكرهم باحترام، ويعترف لهم بما انجزوه، هدفه الاستمرار في بناء جامعة أكاديمية وعلمية متميزة ومتفردة . أقول إن سر نجاح أي مؤسسة الصدق والأمانة والاخلاص وحب الناس وتجاوز البيرقراطية بأشكالها كافة، ومن أراد لمؤسسته وجامعته النجاح والتقدم لا بد أن يستمر في خط التقدم، ومن حق الجامعة ان تطالب الجميع بالمزيد من العطاء والابداع كي يستمر التقدم. وهذا الانجاز المستمر هو ما افضى إلى ابتكار سُنة حميدة في تعينات الأساتذة الفخريين في مختلف كليات الجامعة، وقد توج ذلك بإنعقاد ملتقى الأساتذة الفخريين الصيف الفائت، وهدف الجامعة تأسيس منصة علمية لتبادل الخبرات والمعارف وتبادل الأفكار بين العلماء من مختلف البلدان والمجالات والتخصصات والثقافات، يؤدي إلى اكتشافات جديدة لتعزيز الفهم العلمي المشترك وتشجيع ريادة الأعمال والمشاركة الصناعية واستكشاف فوائد وتحديات تكوين الشراكات بين مؤسسات التعليم العالي والصناعة، بما في ذلك فرص التعاون البحثي وبرامج التدريب ومبادرات نقل التكنولوجيا، وبناء علاقات تعاون دولية في مشاريع بحثية مشتركة، بما يسهم في التغلب على التحديات العالمية والجديدة في التعليم العالي، ومناقشة الابتكار في طرق التدريس والتعلم، ودور التقنيات الناشئة، من مثل الذكاء الاصطناعي، في تشكيل مستقبل التعليم العالي وبناء المهارات والكفاءات القيادية لدى القادة التربويين، وتوفير منصة لمناقشة القضايا التعليمية العالمية الملحة من مثل العولمة وتدويل التعليم والبحث، وكيفية إعداد الطلبة بشكل أفضل لعالم جديد لا يقبل السكون، وتعزيز التعاون الدولي فيما يتعلق بالتعليم وتطوير البحث العلمي بين المؤسسات الأكاديمية، والتأكيد على ريادة الجامعة في أن تكون جامعة قائدة للتحوُّل العلمي والتكنولوجي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، متميِّزة في أداء دورها في تطوير وتحديث مؤسسات الدولة ورائدة في خدمة المجتمع المحلي والعالمي.
والجامعة منذ أنشئت لا تتوقف عجلة العلم تطلق المبادرة تلو الأخرى وعيونها على الوطن من جنوبه لشماله ومن وسطه لغربه، رسالتها البحث والتميز والاستقصاء والانجاز، وما زالت تتطور وتتغير الى الاحسن، ويكفي ما قمت به من تطوير في خططها الدراسية وكان على رأسها الاعداد الوظيفي الذي سيكون متاحا للخريجين كافة في مختلف التخصصات في الفصل الثاني، والذي سيؤهل الطلبة الخريجين لسوق العمل بشكل علمي وعملي متقن، وقافلة الجامعة مستمرة في الإنجاز ومعيارها الاتقان والإبداع والعمل باخلاص وجد.
mohamadq2002@yahoo.com