TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
الثقافة والأولويات
27/02/2014 - 2:00am

طلبة نيوز-د. صلاح جرّار

أستغرب كثيراً ممّن يصرّون على التنكُّر لدور العمل الثقافي في التغلّب على كثير من الظواهر السلوكية السلبيّة في حياتنا، وقدرة الثقافة على إحداث تغيير نوعيّ في توجّهات الناس وسلوكهم. وأستغرب بشكل أكثر من الذين يستبعدون الثقافة والعمل الثقافي من برامج السياسات الحكومية بوصفها أداة فاعلة من أدوات التغيير المطلوب، بل يصرّون على تبقى الثقافة في ذيل الأولويات إن لم تكن خارج الأولويات. ومتى أصرّوا على ذلك فإننّي بدوري أصرُّ أيضاً على أنّ تهميش قطاع الثقافة والتقليل من أهميتها ومكانتها هو واحدٌ من العوامل الجوهرية والأساسية خلف كثير من صور التراجع في القيم والسلوك التي يشهدها مجتمعنا.
إنّ دعواتنا إلى التآلف والتضامن والتعاون والمحبَّة والحوار واحترام الرأي وتقبّل الآخر والإخلاص في العمل والانتماء للوطن والتسامح ونبذ العنف والتطرف وغير ذلك من القيم، ستذهب كلّها أدراج الرياح ما لم تعزّزها برامج عمل ثقافي مدروسة بعناية وما لم تهيّأ لها وسائل دقيقة وواعية لتحويل هذه الدعوات إلى عمل ذي جدوى، ومن هنا فلا بدّ من العمل في اتّجاهين: الاتجاه الأول دعوة الناشطين في العمل الثقافي إلى توجيه أعمالهم الأدبية والفكرية والثقافية والفنية إلى خدمة قضايا الوطن والأمّة وشحنها بالقيم الإيجابيّة المطلوب تحقيقها. والاتجاه الثاني أن تتوقف الحكومات المتعاقبة عن تهميش الثقافة وتقليص ميزانيّاتها، وأن تقوم في مقابل ذلك بتوفير كلّ الإمكانيات المطلوبة لتفعيل دور العمل الثقافي في حياة الناس، فكم من قصيدة استطاعت أن تهزّ مجتمعاً برمّته، وكم من مسرحيّة أصبحت عباراتها على كلّ لسان، وكم من مسلسلٍ تابعه الملايين وحرصوا على حضور كلّ حلقاته، وكم من أغنية تتردّد على ألسنة الأجيال، وكم من كتاب ظلّ مرجعاً للأمّة على مدى قرونٍ طويلة، وكم من لوحةٍ أدخلت الحزن أو الفرح على قلوب الناظرين، وكم وكم وكم.. الخ.
إنّ لدى الثقافة والأدب والفكر والفن مخزوناً لا ينضب من القدرة على التأثير في المجتمع وتحويل اتجاهاته ومساراته وأفكاره، فضلاً عن الارتقاء بوعيه وذوقه. وللأعمال الثقافية والإبداعية والفكرية والفنية والأدبية المتميّزة قدرة لا حدود لها على تحقيق الألفة بين الناس وجمع قلوبهم وحفزهم على الإخلاص في العمل والإتقان له، وتطهير نفوسهم من الحقد والغل والكراهية وتحرير عقولهم من التطرف والمغالاة وفساد الرأي، وصقل سلوكهم ومعاملاتهم. ولا يكون ذلك من خلال عمل ثقافي محدود بل من خلال جهود ثقافية مّتصلة ومتزايدة ومتطوّرة، بحيث تكون النتائج تراكمية تظهر آثارها بتعاقب الزمن واستمرار العمل.
لقد استطاع العمل الثقافي في البلدان المتقدمة بما كان له من تأثير على العقول والنفوس والسلوك أن يحمي تلك البلدان من عثرات الزمان، فالثقافة سلاحٌ يزداد مضاءً بمرور الزمن، ويضمن التغلب على التحديات لا في وقته فقط بل يكون أثره طويلاً وبعيد المدى.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)