TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
التعليم عن بعد والفرص المستقبلية
11/04/2020 - 4:45pm

عندما نتابع عبر منصات التواصل الاجتماعي والاخبار والبرامج التلفزيونية وما يدور فيها حول الشأن التربوي والتعليمي وخاصة فيما يتعلق بالتعليم عن بعد وعن هذه التجربة الجديدة في استخدام مختلف المنصات التعليمية, فإننا نرى حرصاً كبيراً من مختلف الأطراف المشاركة في العملية التعليمية لإنجاح هذا العمل الكبير التي تقوم عليه جهات ومؤسسات وأفراد يواصلون العمل بجد واجتهاد للوصول بهذه العملية الى أفضل مخرجاتها. 
ولكننا في نفس الوقت نوجه اللوم لبعض المسؤولين الذين يحاولون تجميل هذه التجربة وإظهارها بأنها تجربة فريدة وناجحة ومتقدمة على كثير من التجارب. وللأسف فالكثير منهم لا يريد الاعتراف بأن هذا النوع من التعليم هو تعليم بديل وتجربة تحدث في أحوال طارئة مما حدى بكثير من الدول بتسمية هذه التجربة ( بالتعليم الطارئ) الهدف منها الاستمرار في عملية التدريس - وهذه ردة فعل مشروعة لما نحن به من أحوال, وهو لا يوازي بفاعليته التعليم الاعتيادي الذي يمارسه المعلمون في الحياة المدرسية اليومية لعدة اسباب؛ منها أن التدريس الاعتيادي أكثر تفاعلية ويشد انتباه الطلبة مع امكانية إعادة الشرح والتفسير والتوضيح وقدرة المدرس على قراءة وجوه الطلبة والتفاعل معهم أثناء التدريس وكذلك إجراء التقييم الأولي والمستمر لما قد يحتاجونه. 
كذلك فليس عيباً أن نقول أن ما نقدمه ليس تعليما الكترونيا. فالتعليم الالكتروني يحتاج الى مدة زمنية طويلة لإعداده وتجريبه ويمكن ان تصل هذه المدة التي نحتاجها لإعداد مبحث أو مساق واحد من المساقات الى بضعة أشهر, ولا يمكن تعميمه الا بعد تجريبه لعدة مرات. كذلك فإن يعتمد التعليم الالكتروني على تخطيط وتصميم ونماذج ونظريات لا تتوفر فيما نمارسه حالياً. لذلك فلنسمي الأشياء بمسمياتها حتى لا نظهر للآخرين بأننا وصلنا الى مرحلة الكمال فيما نقوم به. 
وبالطبع فنحن هنا لسنا بصدد تقييم تجربة (التعليم البديل أو الطارئ او التعليم عن بعد) والحكم عليه بالفشل أو النجاح, فهي تجربة ومطلوب منا جميعاً أن نصنع منها فرصة واستغلالها بالشكل الصحيح للأسباب الآتية: 
اولاً إن الدولة الأردنية بكل أركانها تعمل على إنجاح هذه التجربة حتى لا نخسر السنة الدراسية وحتى لا تصبح الأمور أكثر تعقيدا على طلبتنا وعلى مؤسساتنا التعليمية.
ثانياً هي فرصة لتوحيد كل الجهود ودمجها في بوتقة واحدة تركز على صياغة مفهوم وشكل ونموذج متكامل للتعليم الذي نريد في مرحلة ما بعد كورونا. اليوم لدينا فريق للتعليم (البديل أو الطارئ أو التعليم عن بعد) ولكن المباراة لم تبدأ بعد؛ حيث أن كل لاعب من اللاعبين لديه فكرة وخطة وطريقة للعب وليس بالضرورة أن تكون صحيحة أو غير صحيحة, ولكن عندما تبدأ المباراة فعلى كل لاعب من اللاعبين في الفريق أن يرضخ لتعليمات المدرب, وعلى الجميع أن يلعب بنفس الطريقة التي تجعل من كل الجهود المبذولة تصب لتحقيق نفس الهدف.
ثالثاً إن هذه التجربة أجبرت الكثير منا طلبة ومعلمين لا وبل أولياء أمور على الالتحاق بركب استخدام التكنولوجيا, وقد اصبحنا كآباء وامهات نحث أبناءنا على استخدام ما هو متاح من أجهزة إلكترونية لحضور الحصص الصفية والمحاضرات والتي كان لنا موقف متحفظ من استخدامها سابقاً مما قد يؤدي إلى أن يصبح لدينا مفهوم "مجتمع التعلم".
رابعاً لاحظنا أن عملية تقد يم المحتوى تعتمد على اجتهادات وقناعات شخصية قد لا تكون هي الأجدى في المرحلة المقبلة. المرحلة المقبلة هي مرحلة التعلم الالكتروني الممنهج الذي يقدم لجميع الطلبة في المملكة في أطر مرنة موحدة معدة من قبل مختصين في التكنولوجيا والمناهج وعلم النفس؛ وهنا يأتي دور المدرسة والمعلم في ترجمة هذه الأطر المعرفية الى أطر تطبيقية وتحليلية وتركيبية عليا وصولاً الى إطار متقدم من الابتكار الذي نسعى للوصول إليه ليصبح ما يتعلمه أبناءنا نافعاً لهم ولمجتمعهم ولسوق العمل. 
خامساً إن هذه الفرصة إذا ما تم استغلالها فإنها سوف تغير مجرى التعليم المدرسي والجامعي في بلدنا؛ فاليوم نملك التكنولوجيا ومنصات التعليم الالكتروني بكافة مسمياتها ولكننا نسخرها من أجل ممارسة التعليم الذي نمارسه منذ عشرات السنين بل قد يكون هو التعليم الذي نعرف والذي يسير حسب إجراءات متسلسلة نمطية : يذهب الطالب الى المدرسة محملاً بعدد كبير من الكتب والدفاتر وكل ما يحتاجه من قرطاسية ومواد وأدوات أو كل ما يطلب منه من قبل المعلم. يدخل الغرفة الصفية يأتي المعلم ويبدأ بكتابة عنوان الدرس وشرح المفاهيم الرئيسة والنظريات والمبادئ والعلاقات وما الى ذلك من إجراءات. يرجع الطالب من المدرسة وقد تم تحميله الواجبات والمهام التي يصعب عليه القيام بها لوحده. اليوم يقوم المعلم بنفس الإجراءات ولكن عن بعد. إذاً نستطيع أن نقدم التعليم الاعتيادي عبر الانترنت ويستطيع طلبتنا استيعاب ذلك بنفس القدر الذي يحدث في التعلم وجهاً- لوجه. ما نريده اليوم هو الاستمرار بتقديم هذا المحتوى للطلبة في بيوتهم بعد الانتهاء من هذه الأزمة من خلال (الأطر المرنة الموحدة) كما أسلف والعمل على تطويره ليصبح تعلماً الكترونياً على المدى البعيد. وعلى المدرسة والمعلم القيام بدور آخر غير الدور التقليدي الذي تقوما به حالياً. 
وهذا ما يسمى بالتعليم المقلوب والذي يأخذ بالاعتبار تصنيف مستويات الأهداف التعليمية الذي وضعه بلوم Bloom's) Taxonomy ) في الخمسينيات من القرن الماضي والذي نمارسه اليوم بتقديم المعلومات والمعارف الأساسية داخل غرفة الصف (الجزء الاسهل) ونطلب من المتعلمين أن يقوموا بالدور الأصعب في المنزل. اليوم مطلوب من الطالب استغلال كل الوقت المتاح له في البيت من أجل أن يتعلم الجزء الأسهل وعلى المدرسة القيام بدور آخر أكثر تقدما. 
وبالرغم من أهمية استغلال هذه الفرصة الا انها لربما تواجه الكثير من التحديات أولها عدم قدرة المعلمين أو المدرسين على إدارة وتنفيذ الجزء الأصعب والذي يبدأ من -التطبيق ومن ثم التحليل والتركيب والتقويم وصولاً إلى الابداع. كذلك هناك تحد آخر يكمن في قدرتنا على توجيه الطلبة نحو ثقافة التعلم الذاتي داخل البيت والتعلم الحقيقي والتطبيقي والنشاطات المنهجية واللامنهجية يجب أن تحدث في المدرسة وداخل غرفه الصف والتي يجب أن تحتل الجزء الأكبر من عملية تقويم المتعلمين. إضافة الى التحدي الأهم وهو التحدي التكنولوجي الذي يكمن في توفير الانترنت لجميع الطلبة وفي مختلف مستوياتهم المدرسية والجامعية وكذلك الاستمرار في تدريب المدرسين على استخدام هذه التكنولوجيا .
مرة أخرى لا نريد فقط نقد هذا العمل والمجهود الكبير الذي تقوم به جميع الأطراف من أجل تسيير العملية التعليمية التعلمية ولا نريد وضع العصى في الدولاب, بل نريد أن نأخذ هذه التجربة على محمل الجد من أجل تجويد العملية التربوية وحتى نكون جاهزين في المستقبل لأي طارئ. 
الدكتور محمد خالد العلاونة
Alaonh.m@yu.edu.jo

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)