طلبة نيوز-ألأستاذ الدكتور سلامه طناش

من المؤكد بأن التعليم العالي هو عملية استثمار اقتصادي للفرد والمجتمع. إذ ينعكس التعليم ايجابا على دخل الفرد، واقتصادياته، وذلك من خلال توظيفه للمعارف والمهارات التي اكتسبها وذلك للحصول على عمل يتوافق وقدراته للقيام بمهمات يتطلبها سوق العمل، وبمردود مادي أفضل مقارنة مع غيره ممن لم يلتحق بهذا التعليم. إذ تقول الفرضية:  كلما ازداد تعليم الفرد كلما ارتفع دخله، وتحسن مستواه الاقتصادي، والثقافي، والصحي، والسياسي، والوعي العام بهموم مجتمعه، وليصبح مواطنا صالحا. كما ويصبح الفرد المتعلم تعليما عاليا، أكثر تحصينا – إذا ما أحسن تعليمه ــ  وقدرة على فهم مجمل العمليات الوطنية، والعمل على دعمها والمحافظة عليها، مما يعزز الأمن الوطني. وهو كذلك يعمل على تزويد الاقتصاد بافراد معدين إعداد جيدا، وليتحسن وفقا لذلك أداء المؤسسات الوطنية العامة منها والخاصة كما ونوعا. مما يعني أن المجتمع (وبكل مؤسسات الدولة ) يستثمر بتعليم أبنائه، كما يستثمر لذاته. وهكذا، فإن على القائمين على التعليم والتعليم العالي ومتخذي القرار أن يكونوا على وعي تام بهموم الأفراد، وقضايا المجتمع المختلفة، ولتكون قراراتهم على تماس واع بها. كما يجب أن يكونوا ممتلكين لرؤية واضحة، وقادرين على التخطيط لهذا التعليم بشكل سوي، وإدارته بناءا على مبادئ ترتبط بمفاهيم وطنيه محددة وواضحة، وليس وفق رؤى شخصية، أو أجندات مبهمة.

لذا،  وفي غياب التكامل في التخطيط الشمولي للدولة الأردنية،  فإننا نجد أن التعليم العالي والاقتصاد يسيران باتجاهين متوازيين رياضيا، وقد لا يلتقيان. وإن التقيا أو تقاربا أحيانا فإن ذلك محض صدفة. وهذا ما أسميه الارتباط العشوائي بين التعليم العالي والإقتصاد. إذ يبدو أن التعليم العالي لا يأخذ بشكل جدي الشؤون الاقتصادية بعين الاعتبار. وليس أدل على ذلك هو تلك النسبة المرتفعة للعاطلين عن العمل من خريجيي كل أصناف مؤسسات التعليم العالي عموما. وبمستوى بطاله يمكن اعتبارها من أعلى النسب العالمية، إن لم تكن أعلاها.

وهذا يدعونا للتساؤل؟ هل التعليم العالي في الأردن يتعامل مع اقتصاد عشوائي؟ أعتقد بأن الاجابة هي نعم. إذ قلما أًشرِكَ الاقتصاديون وبالمفهوم الشامل للاقتصاد في شؤون التعليم العالي. وهنا لا اعني في انشاء أو ابتكار مسميات لأسماء كليات جامعية أو جامعات جديده. وإن ما أقصده هو دفع الجامعات لتلبي بناء الاقتصاد الاردني برؤية جديده، ومتفاعلة مع همومه، لا أن يكون دورها تزويد المجتمع بكل مؤسساته بما لا حاجة له به. إن غياب المفهوم الأردني للاقتصاد الوطني المتكامل يجعل مجمل مكوناته عشوائيات اقتصادية لا تلبي طموحه في اقتصاد قادر على استيعاب قدرات هؤلاء الافراد الذين انفقوا أموالهم وعمرهم في استثمار مؤلم اجتماعيا ونفسيا دُفعوا إليه دفعا وفق اغراءات سوق التعليم العالي الحكومي،  والخاص منه بشكل رئيسي. ويبدو ذلك جليا واضحا من خلال البرامج المقدمة، ونوعيتها وكيفية إدارتها، وعملياتها، وصولا لمخرجاتها، التي تنتظر سنوات طويلة لايجاد فرصة عمل تتوافق مع إعدادها الذي استمر لسنوات. فأي هدر هذا ما بعده هدر.

إن عدم التوافق التعليمي الاقتصادي يعتبر استثمارا خاطئا للفرد والمجتمع. إذ إن انعكاساته خطيرة على الفرد نفسه، وعلى المجتمع وبكل مناحي الحياة، وقد يكون الخطر على البناء الاجتماعي ككل. وقد أدركت الدول المتقدمة هذا الخطر، فقد عملت على ربط الاقتصاد بالتعليم والتعليم العالي. إذ نجد المانيا تخطط مركزيا  لذلك وفق رؤية محددة، كما السويد توظف التعليم والتعليم العالي للتفاعل مع اقتصادها بشكل متكامل. فهل نمتلك اقتصادا يمكن أن يؤشر لمؤسسات التعليم العالي حول المهارات والمعارف التي يريد اليوم وغدا. اقتصاد عشوائي يسير بغير وضوح، وتعليم عال بغير هدى؟ إن ما أريد أن أقوله بكل وضوح بأن التعليم العالي قد تم استغلاله باستخدام مبررات غير منطقية بالمفهوم الوطني، واقتصاد عشوائي لا يعرف حاجاته من مخرجات هذا التعليم. فكانت النتيجه ما يشعر به غالبية أفراد المجتمع من الطبقة الوسطى والذين انتقلوا بهم قسرا إلى الطبقة الفقيرة وعصر الكمبيوتر وهم لا يمتلكون القدرة على دفع فاتورة الكهرباء لتشغيله. وكان متخذو القرار آن ذاك بعيدين كل البعد عن هموم هذه الطبقة لأنهم ليسوا قريبين منها أو انهم يمارسون أجندات مبهمة. إن من لا يعيش مجتمعه لا يجوز له بأي شكل من الأشكال أن يتخذ قراراته، علما بأن الإدارة هي عملية اتخاذ قرار، وهي علم يرتكز على مجمل خبرات واقعية لا احلاما عاجية؟!!!