TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
التعليم العالي... اشكاليات تجاوزت حالة التشخيص وعلاجها يحتاج لقرارات حاسمة
04/05/2016 - 1:30am

طلبة نيوز- عن الدستور

المدرسة والجامعة وجهان لعملة واحدة، عندما ندخل لتفاصيل المشهد التعليمي، فلا يمكننا حسم تنمية واقعنا التعليمي بمجمله دون الوصول إلى منظومة نموذجية نضمن من خلالها أن منتج المدرسة ناجح من طلبة مؤهلين للدخول إلى الجامعة التي تأخذ بدورها دفّة العمل في مرحلة التعليم العالي لتأهيل هؤلاء الطلبة وإعداد مجتمع من المتعلمين يمكنه مواكبة التنمية والانتفاع الفعَّال وتطبيق نتائج التعليم العالي، ومضاهاة المعيار العالمي في نقل المعرفة وإجراء البحوث المطبقة في الاستجابة للاحتياجات الاجتماعية على نحو فعَّال.
ورغم مئات حالات التشخيص لواقع التعليم المدرسي والجامعي، ما زالت ذات المشاكل تدور في فلك هذه المنظومة وتفرض نفسها على المشهد العام، فما زال منتج المدرسة دون المستوى، ومن ثم منتج التعليم العالي يتجه على ذات النحو، رغم إدراك صانع القرار التربوي وفي التعليم العالي على مدى سنين أين تكمن الإشكاليات الحقيقية في هذا التراجع، لكن للأسف أن كل حالات التشخيص تلك تثقل أدراج ورفوف مكتبات النسيان أو التجاهل.
في المدرسة، ما تزال بوصلة عمل التعليم تتجه فقط نحو التوجيهي وسبل ضبطه أو تطويره أو غير ذلك من خطط، لا تقدم ولا تؤخر بالعملية التربوية في ظل مطالبات التعليم العالي بأن التوجيهي ليس مقياسا حقيقيا لقدرات الطالب ومستواها التعليمي، فيما يبقى واقع التعليم العالي في تراجع نظرا للإصرار على مبدأ الإستثناءات التي تضر بالتعليم العالي إلى جانب قلة الدعم الحكومي للجامعات الأمر الذي يقود إلى غياب شبه كامل للإهتمام بواقع البحث العلمي وتطويره، حيث كشف تقرير المعرفة العربية 2014 الذي يعده برنامج الأمم المتحدة الانمائي أنَّ 33% من الطلاب الأردنيين ينهون دراستهم الجامعية دون الحصول على أي خبرة في البحوث، و63% ليسوا مطَّلعين على الكتب المترجمة ذات الصلة بتخصصاتهم.
وفي سياق الحديث عن تطوير البيئة التعليمية في الأردن، تستوقفنا الكثير من التفاصيل الهامة في واقع التعليم العالي بسلبيات واضحة للعيان تعكسها أرقام واقعية تحسم أي ضبابية في المشهد أو حاجة لمزيد من البحث والتقصي، الأمر الذي يضعنا أمام حتمية اتخاذ قرارات جريئة وعملية في هذا الجانب وصولا لتعليم عالٍ مُعترف به كبرامج ذات جودة عالية تستجيب للاحتياجات طويلة الأجل، للمساهمة في قدرة الأردن التنافسية عالمياً بالإضافة إلى رفع مستوى نوعية منتج التعليم العالي وتخفيف مديونية الجامعات ورفع مستوى البحث العلمي وتخفيف القدرة الإستيعابية للجامعات والعمل لجذب مزيد من الطلبة العرب والأجانب والذي وفق خبراء من شأنه ان يحقق دخلا للمملكة يصل إلى مليار دينار بالسنة.
وفي متابعة خاصة لـ»الدستور» حول واقع التعليم العالي الذي بات يكرر ذاته بسلبيات تم تشخيصها لمئات المرات دون أي خطوة للأمام، برزت مفارقة واضحة في تفاصيل هذا الواقع وجود تقدُّم جيد في معدلات الالتحاق بالتعليم العالي، لكن هناك تحديات رئيسية تتعلّق بمخرجات التعليم العالي، فما زالت معدلات الالتحاق الإجمالي في الأردن وفق دراسة لليونسكو ثابتة بنسبة تقترب من 45% منذ سنوات، وهذا يجعل التعليم إلى حد ما أعلى من المتوسط في البلدان التي يتراوح فيها الناتج المحلي الإجمالي ما بين عشرة آلاف دولار و14 ألفا، أي بمرتبة متقدمة عن الصين ومصر، وبنفس المستوى تقريباً مع كولومبيا وكوستاريكا،  بعد صربيا وألبانيا.
وبرز واضحا في متابعتنا الخاصة تأكيد خبراء وذوي اختصاص أن الإشكالية الكبرى في واقع التعليم العالي الحاجة الماسة لقرارات حاسمة للقضاء على التشوهات الموجودة حاليا والمتراكمة منذ سنين وجميع صانعي القرار يعوها جيدا، معتبرين أن خريج الجامعة ما يزال غير مؤهل لسوق العمل في حال وجد من الأساس عملا، ذلك أن الحصول على درجة جامعية يتداخل مع معدلات مشاركة القوى العاملة، حيث يواجه  خريجو الجامعات صعوبة أكبر لدخول سوق العمل، فقد أشارت دراسة أجريت عام 2014 أنَّ معدل البطالة لخريجي الجامعات بلغ 18%، مقارنة بنسبة 8% فقط للذين لا يملكون شهادة جامعية، فيما كشفت دراسة استقصائية إقليمية أنَّ 22% فقط من أصحاب العمل في الأردن كانوا راضين عن «المهارات المهنية» و25% فقط كانوا راضين عن «المهارات الشخصية» لدى خريجي الجامعات، كما وجد تقرير المعرفة العربية أيضا أنَّ الطلاب الأردنيين أبدوا أداءً ضعيفاً في مهارات اللغة الأجنبية، بمعدل 4.07 .
ونبه متحدثو «الدستور» إلى إشكالية خطيرة كذلك في واقع التعليم العالي تكمن بأنه لم يتم تصنيف أي جامعة أردنية من ضمن جامعات العالم الـ 500 الأفضل (على الرغم من أنَّ اثنتين من الجامعات الأردنية هي ضمن أفضل 800 جامعة)، مشيرين إلى ان هذا جاء بناء على التصنيف العالمي عام 2015-2016، فيما بدأت دول عربية تبحث لنفسها عن تصنيفات ونجحت بذلك ما دون الـ (500)، لافتين كذلك الانتباه الى اشكالية اختيار التخصص فهناك ما يقارب 60% من خريجي الجامعات للعام الدراسي 2012-2013 متخصصون في التعليم والعلوم الإنسانية والمجالات التقنية والمهنية وفق دراسة للبنك الدولي، عام 2016.
ولا تخلو أي قراءة لواقع التعليم العالي دون الحديث عن الوصول غير العادل للتعليم يكمن ذلك في نظام معقد للقبول «الاستثناءات» ، والمسارات الموازية وغياب المعونة المالية، حيث ساهم كل ذلك في تفاقم عدم المساواة وتعقيد الجهود الرامية إلى إعداد طلاب راغبين في مواصلة التعليم العالي، حيث يلتحق 37% من طلاب الجامعة في مسارات خارج المسار التنافسي الاعتيادي.
وبحسب الوزير الأسبق مستشار جامعة فيلادلفيا رئيس لجنة الإستثناءات التابعة للجنة تنمية الموارد البشرية الدكتور مروان كمال فإن الاشكالية الكبرى في التعليم العالي موضوع الدعم المالي، فإذا أردنا تعليما متميزا يجب أن نقدم الدعم المادي المطلوب ولا يكفي الوصول للتميز أن نخترع مشاريع «تدر دخلا» لأنها بالمقابل «تضر بالتعليم» ويبرز ذلك في موضوع الموازي الذي بدأ بفكرة لدعم الجامعات وهاهو اليوم يخلق ثغرة بين الطلبة وحتى في المنتج للجامعات فيما باتت الجامعات لا تقدر على الاستغناء عنه في موازناتها، وعليه لا بد من زيادة الدعم الحكومي حتى يكفي للعملية التعليمية اضافة الى تطوير البحث العلمي والتعليم العالي من دكتوراه وماجستير.
ونبه كمال لضرورة إيلاء التعليم المدرسي أهمية أكبر كون نجاحه يكمّل نجاح التعليم العالي، لافتا إلى عدم الإنشغال في تطوير التوجيهي، وأن يعلّق مستقبل الطالب على هذا الامتحان الذي يعتبر هاما لكنه ليس مقياسا للطالب، ونأمل ان يتم اعتماد مستوى الطالب خلال سنوات دراسته السابقة على الاقل خلال آخر سنتين له، مع التأكيد أن لا يكون فقط المقياس للقبول للجامعات هذا الامتحان ونمنح الثقة بجامعات لإخيتار المناسب من الطلبة ليكون على مقاعدها من خلال امتحانات قبول خاصة بها.
وخالف عضو لجنة الموارد البشرية ممثل منظمة «كيو إس» الدولية لتصنيف الجامعات في الأردن ونائب رئيس جامعة العلوم والتكنولوجيا السابق الدكتور عاهد الوهادنة الدكتور كمال بأن حل اشكاليات التعليم العالي تكمن بالدعم المالي، معتبرا أن المال موجود لكنه بحاجة لصاحب قرار للاستفادة منه ايجابا، فنحن بحاجة لقادة وإداريين في آن واحد يرأسون الجامعات ويديرون الشأن التعليمي بايجابية وحسم، فلا بد من العمل على استخدام احسن الممارسات ولنأخذ تجارب دول تشبهنا بظروفها لكنها تمكنت من تحقيق قفزات في التعليم العالي مثل سنغافوره، ونحن هنا لا نحتاج للبدء من نقطة الصفر فالامر تم تشخيصه وكل ما نحتاجه البناء على الموجود.
ولفت الوهادنة إلى إشكالية الطاقة الاستيعابية للجامعات التي باتت تجعل من الدكتور الجامعي مجرد شخص يلقي معلومات فقط ولا يوجد أي علاقة بينه وبين طلابه، فنسبة الطالب للمدرس بالجامعة مسألة خطيرة فلا يوجد تواصل بين الطالب والدكتور وهيئة الاعتماد لا تطبق على الجامعات الحكومية نسبة المعلم للطالب، مشيرا ايضا إلى مشكلة اختيار القيادات والتي باتت تحتاج إلى مؤسسية واضحة ذلك أن المتبع حاليا من خلال اللجان غير سليم ولا تقوم بعملها بشكل عادل وتتعرض لضغوط، أضف لذلك الخطط والمناهج الدراسية التي لم تعد تمنح الطالب سوى ثقافة عامة، وآلية التدريس «حشو مخ» واشكاليات البحث العلمي وانا هنا ارفض القول الحاجة لدعم مالي، ذلك أن الخلل في الانظمة والتعليمات فهي لا تساعد على زيادة البحث العلمي وكشفت نسبة النشر للأبحاث أنها لا تتعدى نصف بحث للدكتور في السنة، وهناك 50 دكتورا فقط ينتجون بحثا علميا واحدا بالسنة.
ورأى الوهادنه أن هناك حاجة ماسة لإستقطاب الطلبة العرب والأجانب، ووفق دراسات اعدت بهذا الإطار فإنه في حال تحقق ذلك، يمكن تحقيق دخل يصل الى مليار دينار سنويا للخزينة.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)