TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
التعليم الجامعي: البحث عن نقطة التوازن
09/06/2014 - 2:45am

طلبة نيوز- منار الرشواني 

خلال عشر سنوات من الآن، كما يتوقع ناثان هاردن في مقاله المنشور في مجلة "أميركان إنترست" نهاية العام 2012، سيصل عدد الطلبة الملتحقين بجامعة هارفارد التي تتربع على قمة جامعات العالم، إلى قرابة عشرة ملايين طالب وطالبة. سبب ذلك ليس فقط ثورة الاتصالات التي يركز عليها هاردن، والتي يتوقع أن تؤدي إلى "نهاية الجامعة كما نعرفها"، بل واختفاء نصف المؤسسات الجامعية الأميركية خلال خمسين سنة أو أقل من الآن. 
العامل الأهم وراء ازدياد أعداد الطلبة الجامعيين، يتمثل في تزايد دور التعليم الجامعي في ضمان دخول سوق العمل ابتداء، وتعزيز فرص الارتقاء المهني لاحقاً. فحتى في الدولة ذات الاقتصاد الأكبر عالمياً، والتي طالما تم النظر إلى التعليم باعتباره ليس شرطاً حتمياً للنجاح فيها، معيشياً وحتى على مستوى الإبداع في بعض المجالات؛ يُظهر استطلاع لمعهد "بيو" تزايدا غير مسبوق في أعداد الطلبة الأميركيين الذين أنهوا الدراسة الثانوية في العام 2012 (88 %)، بما يمكنهم من الالتحاق بالجامعة التي سجل خريجوها الأميركيون، من الفئة العمرية 25-29 سنة، رقماً قياسياً أيضا في العام ذاته (31 %). وهذا ما يعد نتيجة طبيعية للحقائق التي أظهرها استطلاع آخر للمعهد ذاته، عن التباين الكبير في نسبة البطالة والدخل والفقر بين الجامعيين وغير الجامعيين، لمصلحة الفريق الأول بالتأكيد.
طبعاً، هذا التطور الذي يُعد في العالم الغربي، وسواه ربما، إنجازاً، يكاد يكون أهم المشاكل وأخطرها في العالم العربي، بسبب ظاهرة تضخم أعداد الخريجين الجامعيين منذ عقود، نتيجة لشيوع ثقافة الحصول على الشهادات الجامعية، الأولى والعليا، بالتزامن مع تدني نوعية التعليم. وبعبارة أخرى، وكما بات معروفاً تماماً، فقد شهد العالم العربي توسعاً في إنشاء الجامعات إنما في مقابل انحسار في مستوى المعرفة والعلم. ولذلك، قد يبدو الحل السحري، مع الإقرار ابتداء بصعوبته، هو في الارتقاء بنوعية التعليم، بما يغير تماماً من النظرة إلى الشهادة الجامعية وبالتالي الحافز للحصول عليها.
لكن هنا تبدو الخطورة في التركيز على جانب التشدد في القبول، ولو بالمعايير الأكاديمية الخالصة، والمترافقة مع أشد درجات الشفافية. ذلك أن المساواة هنا ستأتي في الغالب الأعم على حساب العدالة؛ كون أن المستفيد لا بد وأن يكون من فئة من نالوا تعليماً مدرسياً جيداً ابتداء، فتتشابه نتيجة هذا الشرط النبيل في المحصلة بالنتيجة النهائية لرفع الرسم، وهي ببساطة: التعليم لمن يملك. ولعل خير مثال على ذلك امتلاك "مهارة" اللغة الإنجليزية كشرط قبول، في ظل التباين الصارخ في مستوى التعليم المدرسي بين المناطق المختلفة، بل وحتى بين المدارس في المنطقة الواحدة. هذا فيما يجب اعتبار امتلاك هذه المهارة شرط تخرج؛ عبر دورات تقدمها الجامعات برسوم رمزية إن لم تكن المجانية متاحة.
ما نحتاجه هو مزيد من التعليم النوعي، شرط استمرار دوره باعتباره أهم أدوات الارتقاء الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. وحتما فإن البحث عن نقطة التوازن بين هذين المتطلبين هو جهد لا يقتصر على البيئة الجامعية؛ بل يبدأ من المدرسة، ويمتد إلى السياسة الخالصة بما فيها العلاقات الإقليمية التكاملية.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)