
طلبة نيوز- أ.د نضال يونس
ليس من المنطق ولا من المعقول أن تستمر الحكومات في قيادة البلد على منطق "الفزعة"، أو ردة الفعل التلقائية من خلال الاستجابة الفورية والعفوية لأي طارئ كخيار وحيد لصانع القرار في هذه المرحلة الحرجة ، فنجاح أي حكومة في وقتنا الحاضر يعتمد على قدرتها في استيعاب التحديات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي تواجهها في الحاضر والمستقبل، بمعنى انه من الضروري أن تعمل الحكومات الناجحة على " توقع" ما يمكن أن يحدث في المجتمع من تحولات اجتماعية وسياسية وأمنية مما يساعدها في وضع برنامج عمل صحيح على قدر كبير من الدقة ورؤية واضحة للتعامل الاستباقي مع المسببات الرئيسية للأزمات السياسية والاجتماعية.
لا يمكن للمسئولين الذين يتصدرون المشهد العام حتى في البلدان المتقدمة أن يحيطوا ا بكل صغيرة وكبيرة ، وهذا أمر طبيعي فمنهم من يأتي من خلفية اقتصادية أو قانونية أو ثقافية لكنه يجهل بعض التفاصيل السياسية أو الأمنية ،من هنا فان الحكومات الناجحة والحكومات القوية تقوم بإنشاء "مراكز بحث" ودراسات متخصصة، ومراكز "لرصد" آراء الناس و توجهاتهم و خصوصا ما يتعلق بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ومن تم تعمل على تحليلها بشكل موضوعي حتى تتمكن من رسم "سيناريوهات" لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في ظل كافة الاحتمالات المتوقعة ، ثم تقدم هذه السيناريوهات للمسئولين و القادة لاتخاذ القرار المناسب.
في الأردن, يوجد عدد قليل من المؤسسات البحثية والأكاديمية تتبع بعض الجامعات الرسمية، وهناك العديد من الأبحاث الاجتماعية والسياسية التي أعدها متخصصون و باحثون يعلوها الغبار دون الاستفادة من مخرجاتها، ولكن لا توجد مؤسسة بحثية" مستقلة" متخصصة تنتج دراسات أو تحليلات أو إحصاءات دورية تلامس تحدياتنا الفعلية في منطقة ملتهبة و مرشحة لمزيد من التصعيد على غرار مراكز الفكر المعروفة (Think tanks) أو «مصانع التفكير» الموجودة فى معظم دول العالم وتضم نخبة متميزة ومتخصصة من الباحثين تعكف على دراسة معمقة ومستفيضة لتقدم استشارات أو سيناريوهات مستقبلية، بحيث يمكن تقديمها لأصحاب القرار كي يتم الاستفادة منها في صنع القرارات الحاسمة، فالقياديون ومسئولو الدولة من المفروض أن تتوافر لديهم التحليلات "العلمية المعمقة والموضوعية" لمجريات الأحداث في المجتمع الأردني والعربي والدولي كي يتمكنوا من إصدار قرارات صائبة تعالج المسببات الرئيسية للتحديات المتلاحقة ، بدلا من القرارات الارتجالية الذي تستند على التخمينات أو الأهواء أو الاكتفاء بالتقارير الأمنية والاستخباراتية.
الحكومات الناجحة و القوية هي حكومات ذكيه "تستبق الأزمات" المحتمل حدوثها في ظل أطر فكرية وأوضاع متغيرة، عبر تصور لكافة الاحتمالات المتوقعة وكيفية الرد عليها في حالة حدوث ظواهر وأحداث محلية طارئة، بمعنى آخر, الحكومة الناجحة في عالم اليوم تعمل غالباً في ظل سيناريوهات استباقيه كي لا تضطر لاحقاً للرد والتفاعل مع الأحداث الطارئة بشكل ناقص أو دون المستوى أو دون ما هو متوقع.
اضف تعليقك