TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
"الأونروا": الإجراء والمغزى!
29/01/2024 - 6:15pm

د. أحمد بطَّاح
طلبة نيوز- كتب د. أحمد بطاح

ما إنْ أعلنت إسرائيل على أنها اكتشفت أن (12) موظفاً (من بين 30 ألف موظف فلسطيني) من موظفي وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (UNRWA) شاركوا في معركة "السابع من أكتوبر" ضد إسرائيل حتى بادرت تسع دول غربية على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية بتعليق تمويلها للوكالة مُعرِّضةً الشعب الفلسطيني (اللاجئون في الضفة الغربية وغزة، والأردن، وسوريا، ولبنان) لعقاب جماعي، والملفت للنظر في هذا الإجراء المُتّسرع أنه سوف يكون ذا أثر مدمّر على الشعب الفلسطيني في غزة بالذات الذي يعاني بالإضافة إلى القصف الهمجي الذي تشنه إسرائيل على المدنيين في القطاع أهوال "التجويع المُمنهج"، "والتهجير القسري" وبخاصة إذا علمنا أن (70٪) من أبناء الشعب الفلسطيني في غزة هم لاجئون يعتمدون على " الأونروا" في تزويدهم بالحد الأدنى من الخدمات الصحية، والغذائية، والتعليمية!
إنّ الغرب (وبالذات الولايات المتحدة) لم يكتف بسقوطه الأخلاقي حين سمح بالمجازر البشرية التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في غزة كل يوم، بل أضاف إلى ذلك "تسرعه" الذي لا معنى له بتعليق تمويل "الأونروا" وكأنه يريد أن يضاعف من عقابه غير العادل للشعب الفلسطيني متجاهلاً القاعدة القانونية التي يتشدق بها كل يوم وهي أن "المُتّهم بريء حتى تثبت إدانته" فهؤلاء الموظفون المتهمون من قِبل إسرائيل بالمشاركة مع "حماس" في السابع من أكتوبر (تمّ طرد بعضهم بالفعل) لم تثبت إدانتهم بعد، بل لم يُستكمل التحقيق معهم، فلماذا كل هذا التسرع في الإجراء وكأن الدول الغربية كانت تبحث عن أيّ مبرّر لمعاقبة هذه الوكالة الأُممية.
إنّ واقع الأمر هو أن الدول الغربية تريد أن تمضي مع إسرائيل قُدماً في استئصال "الأونروا" تمهيداً لتصفية القضية الفلسطينية، إذْ من المعروف أن هذه الوكالة أُنشئت في عام 1949 لغوث اللاجئين الفلسطينيين الذين شردوا من وطنهم (أكثر من 750,000)، ولذا فهي ذات "رمزية" خاصة تُذكِّر بحق الفلسطينيين، ومأساتهُم، وضرورة مساعدتهم على كافة المستويات إلى أن يكون هناك حل عادل لقضيتهم.
إنّ هذا الإجراء المُتعسف الذي تبنته الدول الغربية وبتسرع غير معقول يدُل دلالة قاطعة على موقفها غير المُنصِف وغير المُحايد فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، كما يدُل دلالة قاطعة أيضاً على أنّ المعركة مع إسرائيل ليست معركة في ميدان القتال فقط بل هي معركة يجب أن يتم خوضُها على كافة الصُعُد ومنها الصعيد السياسي، ولنتذكّر أن الرئيس الأمريكي السابق "ترامب" قطع المساعدات الأمريكية (30% من موازنة الوكالة تقريباً) عن الوكالة بالفعل، (ثمّ أعادها بايدن بعد توليه الرئاسة) ولكن الأردن وبمساعدة عدد غير قليل من الدول العربية، والإسلامية والصديقة استطاعت وبجهد كبير ومتواصل من تدبُّر العجز في موازنة الوكالة. (تبلغ موازنة الوكالة مليار وربع المليار دولار).
ولعلّ من اللافت حقاً في هذا السياق أنّ يأتي قرار الدول الغربية بتعليق تمويل "الأونروا" بعد أيام قليلة من قبول محكمة العدل الدولية محاسبة إسرائيل على ما تقوم به من جريمة "الإبادة البشرية" بحق الفلسطينيين في القطاع، وأمرها إسرائيل بوقف عمليات القتل، وإيصال المساعدات الضرورية إلى المحتاجين إليها في القطاع المنكوب فهل تريد الدول الغربية أن تضرب عرض الحائط بقرار محكمة العدل الدولية وبخاصة أن هناك قضاة في المحكمة (ألمان، أستراليون، فرنسيون) وعلى رأسهم رئيسة المحكمة الأمريكية أقرّوا بالإجراءات الضرورية الواجب اتباعُها لإغاثة الشعب الفلسطيني؟
إنّ هذا يعني ببساطة أنّ ساسة الدول الغربية (أمريكا، بريطانيا، فرنسا) لا يقفون فقط ضد مطالب شعوبهم التي تتظاهر كل يوم مُطالبةً بوقف الحرب الإجرامية التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني في غزة، بل تقف في الواقع أيضاً ضد "القضاة المستقلين" في أعلى هيئة دولية تابعة للأمم المتحدة، وهي محكمة العدل الدولية.
هل هذا "معقول" في عالم "اللامعقول"؟!

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)