TLB News (طلبة نيوز للإعلام الحر)
الأزمة وخيارات الاقتصاد السياسي
02/08/2014 - 3:15am

طلبة نيوز- د.باسم الطويسي

قبيل أن يسخن الحوار حول موازنة الدولة للعام المقبل، تبدو انعكاسات الأوضاع الإقليمية على الاقتصاد الأردني غير منظورة في بعض الملفات، فيما ثمة مؤشرات أخرى على أن العافية الاقتصادية الهشة التي استطاعت من خلالها الحكومة ضبط بعض المؤشرات إبان العام الماضي، معرضة لهزات جديدة قد تكون مؤلمة؛ بعضها واضح تماما، من مثل مستقبل التعامل مع ملف الغاز المصري في ضوء الحرب الدائرة في سيناء، واحتمالات تصاعدها مع قدوم الشتاء، وكذلك انهيار الموسم السياحي مع تداعيات أحداث غزة، ومستقبل التعاون الاقتصادي مع العراق والتجارة بين البلدين في ضوء أزمة العلاقات بينهما.
يعتمد تكوين هياكل الاقتصاد السياسي، في الأصل، على قرارات سياسية داخلية وسيادية. لكن جوهر تفاعلات الاقتصاد السياسي يرتبط بالتفاعلات الخارجية (تفاعلات تعاونية، صراعية، إرغامية)، لكنها تعود في الأصل الى إرادة داخلية. وعلينا الاعتراف بأن ذهنية غير مسؤولة على الأغلب أدارت البلاد منذ عقود بالاقتصاد السياسي المشوه؛ إذ زادت مساحة الاعتماد على الخارج على حساب السيادة الوطنية، وسمحت للفساد والإفساد عبر هذا المدخل وغيره، كما زادت من فصل المجتمع عن قيم الإنتاج، وضخمت من قطاعات "البزنس" الاستهلاكي الرخيص على حساب الإنتاج، وأهملت السياسات الاجتماعية، ومست الاستقرار الذي بقي المورد الأغلى للدولة.
هناك مراجعة واسعة للقيم والسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي برزت منذ تسعينيات القرن الماضي، والتي بدأتها "مدرسة شيكاغو" الشهيرة. وهي مراجعات لا تنحصر في المستوى الأكاديمي والنظري، بل تطال أعتى المؤسسات الرأسمالية في العالم، وفي مقدمتها البنك الدولي. ويتمثل ذلك في سياسات الرعاية الاجتماعية، وحدود تدخل الدولة وأدوارها، وتنظيم الأسواق الحرة، وسياسات الضرائب وإعادة توزيع الثروة، والسياسات الحمائية، وفرضية القيمة في تحديد الأسعار، والمشاريع الصغيرة ذات المضمون الاجتماعي مقابل المشاريع العملاقة.
الآن، تأكد العالم، وتحديدا في الأسواق الصغيرة، من مدى الحاجة إلى صيغة تنظيمية تحمل روح المسؤولية والتزاماتها القانونية في مسار الأسواق الليبرالية، وإلا ستكون النتيجة المزيد من الحراك الاجتماعي السلبي، والمزيد من الإفقار وسوء توزيع الثروات، والمزيد من الاحتكارات؛ وبالتالي هيمنة مطلقة من سوق مشوهة على الدولة والمجتمع معا.
النموذج المستقل يؤدي إلى الاندماج الآمن في السوق الليبرالية العالمية؛ أي النموذج الذي يبدع أفكاره وسياساته حسب حاجاته وقدراته، وفق منظوري الاقتصاد السياسي والسياسات الاجتماعية. بهذا تنطلق أدوار الدولة في ثلاثية الأمن والرعاية الاجتماعية والتنظيم، ولا تكتفي بدور المتفرج ووظيفة حماية السوق وحدها. ولنأخذ على سبيل المثال سياسة الدعم ببعدها الاجتماعي، والتي آن الوقت أن تقوم على أساس فهم جديد يرتبط بدور الدولة كضامن للأمن الاجتماعي والاستقرار السياسي. فسياسة الدعم هي في المحصلة ضمانة سياسية واجتماعية، ولا توجد دولة في العالم لا تقدم الدعم. وهذه السياسة يجب أن تعتمد على فكرة أن الدولة لا يجب أن تقوم بدور الجابي والتاجر، بقدر ما تقوم بدور الضامن للأمن الاجتماعي وللاستقرار السياسي، ويخدم الدعم في النهاية أهدافا سياسية اقتصادية واجتماعية (البقرة في أوروبا تحظى بدعم يومي قدره 2.5 دولار، وفي اليابان تحظى بـ7.5 دولار يومياً. كما أن الولايات المتحدة ذات الاقتصاد الحر تدعم مزارعيها، فيما يشكل مجموع الدعم الزراعي في أوروبا 30 % من قيمة الإنتاج الزراعي النهائي). 
علينا أن لا نركن إلى شعور كاذب بالارتياح، وأن البلاد استطاعت عبور أزمات الإقليم؛ فجذر الأزمات الأردنية المقبلة اقتصادي-اجتماعي، وهو جذر قادر على أن يحمل حمولة سياسية مكثفة. وأي اقتراب من الأمن الاجتماعي السياسي عبر المزيد من السياسات الاقتصادية التي تمس الأمن الاجتماعي، سيعيد رسم خرائط مصادر التهديد من جديد.

اضف تعليقك

Plain text

  • No HTML tags allowed.
  • Web page addresses and e-mail addresses turn into links automatically.
  • Lines and paragraphs break automatically.
Image CAPTCHA
أدخل الحروف التي تظهر بالصورة (بدون فراغات)